في البلد مكابرة على الدواعي المفهومة للحركة الاحتجاجية. عدم قدرة النظارات المتأكلة على فهم سمة «الأكورديون» التي ستبقى تلازم هذه الحركة الاحتجاجية قسطاً من الوقت، ولا شيء يوحي بأنها ستتحلل سريعاً، واستعارة صورة الآلة الموسيقية هنا لايضاح انها حركة كلما بدت تتشتت عادت وظهرت، لأن عناصر المشكلة الاجتماعية، وعناصر المشكلة البيئية، وبالذات قضية النفايات التي هي قضية أمن قومي قائمة.
وفي البلد مكابرة على أن هذه الحركة الاحتجاجية ولأسباب شتى قد انزاحت عن مساعيها في شهر آب المنصرم التوازن في الرفض الذي تحمله لكل من هم في السلطة، شيئاً فشيئاً صارت الحركة تثقل ببعض الظواهر ذات الماضي – والحاضر – الأمني الأسود، وبسبب من المواقف الصلفة بازاء اي قضية اجتماعية تطرح في البلد، انزاح مركز الحراك الى حد كبير نحو مهادنة مقلقة لبعض من الوجوه القبيحة المرتبطة بنظام الرجس في سوريا.
لأجل ذلك فإن رفع لواء القضايا المطلبية والاجتماعية حالياً لم يعد يقبل التأخر في التذكير بشيء أساسي، وهو أن الانقسام الأساسي اليوم هو بين مرتبطين بنظام آل الأسد، نظام التهجير المنهجي للشعب السوري من بعد المجازر ضد الانسانية ومن ضمنها قتل الناس بالقصف الكيماوي، وبين مؤيدين لثورة الشعب السوري. هذا ليس في لبنان موقف في السياسة الدولية، او الخارجية، كي لا تكون له علاقة مع قضايا ذات طابع داخلي، وبالذات قضية النفايات بما هي قضية أمن قومي أساسي. هذا في صلب المسألة خصوصا وان «حزب الله» يقاتل، في صيغة حرب استنزاف دامية، في سوريا.
الوضع الاجتماعي في الداخل اللبناني ملتهب، لكنه لبنان نفسه الذي يستقبل مئات الاف اللاجئين السوريين، والذي تقاتل فئة ضد ابنائه، غير آبهة بالدستور والقوانين وأي شيء، في سوريا، الى جانب النظام.
الحكومة اللبنانية نفسها تضم تعايشاً بين انصار النظام السوري وانصار الثورة السورية. المجتمع اللبناني ككل منقسم على خلفية الثورة السورية. الحراك الاجتماعي نفسه سينقسم ناسه على خلفية هذه الثورة لو استفيتهم. اذاً؟ هل ان هذا الانقسام يكون مركزياً في لحظة ويصير ثانوياً في لحظة ثانية؟ غير معقول الا اذا كان الانفعال التلفزيوني وحده وسيلتنا للنظر في الاحداث، او كان المرء يخبئ منذ ايام «الحرب الباردة» شتيمة ايديولوجية ضد احد الجبارين ووجد الآن الفرصة السانحة لسوقها خارج سياقها، وزمانها، ومكانها.
ليس المطلوب طبعاً تعريض كل الشباب اللبناني للامتحان «مع الثورة السورية او ضدها» لكن المطلوب رأساً الاحتراز من كل انصار النظام السوري حيثما هم بالشكل الملموس، وليس بالتخيل التآمري، وهم يتكفلون بالظهور الملموس، فلا داعي للتخيل التآمري لتزييف الواقع لابرازهم، لأنهم موجودون، وهؤلاء لا يمكنهم ان يفتحوا الطريق لسعادة اللبنانيين لا في فضاءات عامة ينشدونها، ولا في قضايا معاشية واجتماعية وبيئية وتمثيلية سياسية، فيما هم، ينصرون مجزرة متواصلة على بعد مئات من الكيلومترات فقط من بيروت. الزبداني ليست على المريخ.