ثلاثة أشهر مضت لم تُترجم خلالها أقوال «حزب الله» إلى أفعال، فالوضع في مدينة «الزبداني» على ما هو عليه، والمنطقة التي هلّل إعلام «الممانعة» بقرب سقوطها لفترة تزيد على المئة يوم، ما زالت حتى اليوم النقطة المستعصية والعالقة في أجندة «الحلف الثلاثي» الممثل بـ»حزب الله» والنظامين السوري والإيراني.
حتى الساعة لم يتمكن آلاف العناصر الذين كان قد استقدمهم الحزب من مختلف مناطق إنتشاره في سوريا ولبنان إلى محيط الزبداني، من فك لغز صمود المدينة وسر صمودها ومقاومة أهلها الذين يزدادون قوّة وشراسة يوماً بعد يوم، في ظل عجز الحزب عن إحراز أي تقدم خصوصاً أن المعركة أصبحت تنحصر في أقل من كيلومتر مربع واحد، ومع هذا ما زال «حزب الله» ومعه النظام السوري يتلقيان الضربات المتتالية بشكل شبه يومي وجعلتهما ينتقلان من وضعية الهجوم إلى الدفاع عن نقاط ثابتة وعن حواجز متنقلة تحوّلت هي الاخرى إلى صيد دائم وهدف متواصل لقناصة الأهالي والفصائل المسلحة.
من المؤكد أن الأشهر الثلاثة التي مرت منذ بدء معركة «الزبداني»، لم تكن فترة إختبار من قبل الحزب لاختبار حجم وقوّة «عدوه» ولا حتى بمثابة معسكر تدريبي لعناصره، بل كانت حرباً حقيقية استعمل خلالها «حزب الله» منظومته العسكرية كاملة، وقد فاقت تلك التي استخدمها قبلاً في «القلمون» و»القصير» وحتى تلك التي واجه من بها إسرائيل في العام 2006. وفي ظل عجزه هذا، يبرر الحزب عدم حسمه معركة «الزبداني» لغاية اليوم بربطها بمنطقتي «الفوعا» و»كفريا» الشيعيتين وبأنه يخشى على الأهالي هناك من عمليات ذبح على أيدي «التكفيريين» في حال سقوطها وأنه يسعى إلى إيجاد حل سياسي يُجنبه هذا السيناريو.
جملة إشارات تبرز حجم المعاناة والصعوبات التي يواجهها الحزب في الزبداني خصوصاً في ظل لعبة المصالح الدولية التي كانت قد برزت مع الإتفاق النووي الإيراني والتي أعقبتها جملة مفاوضات في تركيا بين الإيرانيين و»حركة احرار الشام» إحدى الفصائل السورية المسلحة حول «الزبداني» نفسها والتي انتهت بالفشل، مروراً بسحب نظام الأسد مجموعات مقاتلة من الزبداني بإتجاه الغوطة التي باتت تحت سيطرة المعارضة بنسبة تفوق الثمانين بالمئة وصولاً إلى إنتشار وحدات روسية مقاتلة في ريف اللاذقية، وهذا يُظهر حجم مخاوف الحزب من حصول صفقات جانبية على حساب تدخله في سوريا في ظل الحديث عن تعهدات إيرانية وصفت بـ»البنود السريّة» والتي يقضي بعضها بالموافقة على إيجاد حلول سياسية في سوريا يمكن ان يكون الأسد خارجها.
من غرقه في فساد الداخل عن طريق حمايته تجار المخدرات وعصابات سرقة السيارات وحماية المطلوبين للقضاء والعدالة الدولية وتسخير مؤسسات الدولة لجماعاته وحلفائه، إلى غرقه في فساد الخارج وهذه المرّة في سوريا التي يقتل شعبها ويُهجره ويحتل أرضه، يُصرّ «حزب الله» على وصف كل ما يقوم به بأنه نابع من إيمان عقائدي بقضية «المقاومة» وبإلتزام أخلاقي بقضية شعب، علماً أن الشعب الذي يدّعي الحزب حمايته والتزام قضاياه، كان ضحيته لأكثر من مرة بعدما وجّه بندقيته إلى صدره وأدار ظهره لقضية الجنوب بعدما اتخذ منه رهينة لحربه في تموز 2006، ومن خلال جعله متراساً لمشاريعه الخارجية وهدفاً للإرهاب الذي حصد ضحايا من الضاحية الجنوبية والبقاع والشمال.
وحيداً يجد الحزب نفسه اليوم في حرب استنزفت قواه العسكرية وأكلت من رصيده السياسي. كان يتحدث عن نصر مؤكد قبل ان يعود ويعلن تأجيل الحسم. دماء تسقط في غير محلها فلا يجد لها «حزب الله» مخرجاً سوى الإعتراف بشراسة المعركة التي تكبد خلالها خسائر فادحة في العديد والعتاد خصوصاً في منطقة السلطان التي خسر فيها ما لا يقل عن مئة وخمسين عنصراً من أصل ثلاثمئة كانوا قد سقطوا منذ ثلاثة أشهر. ووسط هذا المشهد القاسي تراجع إعلام «الممانعة» عن لغة «الإنتصار» وحل مكانها جملة يُرددها على الدوام وتتنقل من نشرة اخبارية إلى اخرى « تمكّن رجال المقاومة والجيش السوري اليوم من صد هجوم للمسلحين عن الطرف الغربي للزبداني».
ثلاثة أشهر يمكن القول خلالها، أن لا شيء جديدا حتّى الساعة يُمكن أن يُضيفه «حزب الله» إلى سجلّه في الحرب السورية، سوى المزيد من الخسائر في صفوف كوادره وعناصره وقتله الشعب السوري، شعب حمل قضية المقاومة وجعلها قضيته قبل ان ترتد بندقيتها اليه وتقتله في منزل سبق أن آوى شعب هذه «المقاومة».