إنتخبت المغتربة اللبنانية راشيل حريقة نائبة لرئيس مجلس مدينة كانتربري – بانكستاون في أستراليا، فهلل الزحليون لها في مدينتها الأم. هذه طبيعة زحلة التي تفرح بإنجازات أبنائها في الخارج حتى من دون معرفتهم بها، علماً أن حريقة شاركت العام الماضي في “مؤتمر الإنتشار الزحلي” الذي جمع تحت سقف المدينة خمسين شخصية زحلية مغتربة. كسائر مدن لبنان، عرفت زحلة موجات هجرة واسعة خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية، وخلال الحروب الأهلية التي تلتها، ما جعل حجم اغترابها يوازي أعداد المقيمين. إلا أنه على رغم المسافات التي فصلتهم عن مدينتهم، بقي الزحليون يحملونها في قلوبهم، ويحافظون على روابطهم الإجتماعية والإنسانية في بلدانهم الثانية، ويتمسكون بهويتهم التي تبرز في لكنات وتعابير أضاعها المقيمون أنفسهم، وفي موائد يزينها كأس العرق، والروح المرحة التي غالباً ما يعبرون عنها بترداد أغنية “مين بيشرب قدنا ومين بيسكر قدنا” حتى باتت توازي نشيد “زحلة يا دار السلام” بشهرتها.
على رغم جائحة “كورونا” التي قلصت حدود العوالم داخل مدن وأحياء وأحياناً منازل، بقي الزحليون مصرين على تشبيك هذه العلاقات، ويتمسكون بذلك كواحد من سبل التمدد بحدود المدينة نحو أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا وباقي دول العالم.
يذكّر رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، بالدور الذي لعبه الزحليون في عواصم القرار من أجل فك حصار الجيش السوري الذي استمر ثلاثة أشهر على مدينتهم سنة 1981. ويكرر ما سمعه من أحد سفراء لبنان عن كون جامعة لبنان الثقافية غير قادرة على الإنعقاد أحياناً كثيرة من دون مشاركة الزحليين، لما يشكلونه من “لوبي” منتظم في نواد تحافظ على روابط أبناء هذه الجالية وعلاقاتهم. برز نشاط أندية زحلة خصوصاً بعد “مؤتمر الإنتشار الزحلي” والذي انعقد كجزء من رؤية مستقبلية لدى رئيس البلدية لخلق منصة تصون هذه الروابط وخصوصاً لدى الأجيال المقبلة. في أيامنا الحاضرة، تتداول صفحات التواصل الإجتماعي تطورات الحملات التي تنظمها هذه النوادي الإغترابية لمساندة المتطوعين بمبادرة “بيروت بقلب زحلة”، وهي مبادرة تتبنى باسم المدينة وشبابها، إعادة إعمار حي من أحياء بيروت المتضررة جراء إنفجار 4 آب.
نشّطت هذه النوادي محركاتها لبلوغ السقوف التي حددتها لجمع تبرعات الجالية الزحلية من أجل بيروت، وأرسلتها للمتطوعين كأموال طازجة، يأملون أن تسمح بإتمام مهمتهم قبل حلول فصل الشتاء.
هذه ليست المبادرة الوحيدة للإغتراب الزحلي في ظل أزماتنا المتجددة، بل اختبر نادي زحلة – فرنسا تجربة “مخيم صيفي إفتراضي” إستعيض به عن مخيم حقيقي، حالت ظروف “كورونا” دون تنظيمه، ونجح بجمع أطفال مقيمين ومغتربين حول مواضيع تدخل في خصوصية المدينة وتركيبتها الإجتماعية.
ما يتوقعه رئيس البلدية أن تترك المبادرات المقبلة بصمات إضافية للمغتربين، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات التربوية والإجتماعية. ولكنه يشدد على أن ربح زحلة من خلال الحفظ على امتدادها الإغترابي، ليس مادياً، إنما هو في بناء الذكريات التي تمتن الجسور بين أجيال المدينة في جناحيها المقيم والمغترب، وتواجه العواصف التي تهدد بانقطاعها.