بدأت القوى السياسية في زحلة العمل من أجل «استمالة» ميريام سكاف وجمهور الكتلة الشعبية. العائلة تؤجّل أي كلام سياسي حتى ما بعد مراسم الأربعين، إلا أن الخلاف بين ميريام والمطران عصام درويش الذي يُحاول تسويق الوزير السابق سليم جريصاتي، يُعتبر أولى معاركها، فيما المحيطون بها ينصحونها بأن «المعركة مع الإكليروس خسرانة»
حُسم الجدل في زحلة حول هويّة «وريث» زعامة النائب والوزير الراحل الياس سكاف. القرار اتُّخذ بناءً على رغبة الزعيم الزحلي في أن تتولّى أرملته ميريام حمل الشعلة. محاولات وضع ابنة جبران طوق في مواجهة ابن عمّ زوجها، ميشال، أُجهضت. مصادر مقرّبة من الأخير تنقل عنه أن «آل سكاف لا ينتحرون. الاجتماعات العائلية تُعقد باستمرار لتنسيق الخطوات»، والعائلة «ستُخيّب آمال كلّ من يتربصّ بها. ميريام هي التي ستحمل الأمانة».
عند هذا الحدّ ينتهي نقاش «تقسيم الحصص» العائلي، ليُفتح نقاش آخر بين القوى السياسية حول مرحلة ما بعد سكاف. فريقا 8 و14 آذار يتفقان على أهميّة إبقاء هذا البيت مفتوحاً، لكن كلاً منهما يطمح الى أن تكون ميريام تحت «جناحه».
«كلّن كانوا أمّ الصبي. لم يبقَ أحد الا واتصل بالعائلة عارضاً خدماته، خاصة الرئيس سعد الحريري الذي حرص منذ 2010 على نسج علاقة جيدة مع إيلي بيك. الحريري كان يتجه، لو لم تؤجلّ الانتخابات النيابية، الى إفساح المجال أمام سكاف لتشكيل لائحة خاصة به يدعمها تيار المستقبل»، استناداً الى مصادر مطلعة. وتلفت الى أن الأحزاب هي «التي في حاجة الى شعبيّة سكاف بعد أن ضعفت». لذلك، يدرس كل طرف طريقة استمالة ابنة بشرّي وجمهور الكتلة الشعبيّة، وإذا لم يتمكنوا من ذلك فلا مانع من «خلق» شخصيات كاثوليكية أخرى، لن تتمكن من منافسة ميريام، ولكنها في الحدّ الأدنى قد تُشكل عامل إزعاج في الشارع الزحلاوي.
في «عاصمة الكثلكة» تردّد أخيراً صدى الغداء الذي أُقيم في السفارة السوريّة برعاية السفير علي عبد الكريم علي و«بركة» رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الكاثوليك عصام درويش، وحضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الوزير السابق سليم جريصاتي، النائب السابق سليم عون، ممثّل عن حزب الله، وعدد من السياسيين «الكاثوليك». الصورة التي سُربّت عن الاجتماع تركت آثاراً سلبية في زحلة، لا سيّما أنه لم يمر أربعون يوماً على وفاة سكاف. ميريام «شعرت وكأنّ هؤلاء يلتقون ضدّها»، خصوصاً أن هناك من أشاع أن جريصاتي الذي يحظى بدعمٍ المطران درويش «بادر الى شنّ هجوم على ميريام»، الأمر الذي نفاه الفرزلي بشدة.
يجلس درويش ــ الذي تربطه بآل سكاف علاقة سيئة ــ في كنيسة سيدة النجاة (مركز المطرانية في زحلة)، ضامّاً كفيّه ويقول، بنبرةٍ هادئة حافظ عليها طيلة اللقاء: «دُعينا الى الغداء، وكنا ندردش في كافة المواضيع. والسياسيون حين يلتقون يتحدثون في السياسة». لذلك «جرى التطرق الى زحلة، حيث كان هناك إجماع على ضرورة أن يبقى بيت سكاف مفتوحاً. كان هناك ارتياح للتوجه بأن تُكمل ميريام (المسيرة)». هل هذا يعني تبنّي الوريثة؟ «لم نتحدث عن تبنٍّ ولكن عن ارتياح. ونحن سعداء بذلك».
«سعادة» درويش بأن تكون ميريام «زعيمة» العائلة، تنفيها خبريّات عدّة تؤكد «الخلافات» بين الطرفين، أبرزها حادثتان حصلتا بعد دفن سكاف. الأولى، توجه ميريام الى المطرانية لـ«شكر» المطران على تقديم واجب العزاء وطلب استبدال مذهبها من «مارونية» الى «كاثوليكية»، فتسلّح بحقه القانوني ورفض الموافقة قبل درس الطلب، لكونها لم تُبدّل مذهبها منذ الزواج، وهي تلقائياً ستعود الى مذهب عائلتها بعد وفاة زوجها. اعتبرت سكاف هذا الأمر إشارة سلبية من درويش، فلجأت الى البطريرك غريغوريوس الثالث لحام الموجود خارج البلاد.
الواقعة الثانية، هي اتصال درويش بسكاف و«تهديدها بأنه لا يجب أن تنسى أنها أصبحت حالياً من دون سندٍ في حياتها، وأنه ليس بهذه الطريقة تبدأ حياتها السياسية». وفي التفاصيل، أن المطرانية تقيم إنشاءات في ملكها من دون الحصول على ترخيص مسبق من البلدية، وهناك تعدّ أيضاً على أملاك البلدية التي قامت بردم الإنشاءات، إلا أن المطران يُحمّل ميريام المسؤولية. ويوضح رداً على ذلك: «المطران لا يُهدّد، المطران يُنبّه. نحن ضمير الإنسان».
«الحساسيّات» بين الطرفين لا تتوقف هنا. فمنذ حوالى شهرين، أي قبل وفاة سكاف، زار درويش الرئيس نبيه برّي باحثاً وإياه «مرحلة ما بعد سكاف». تتحدث المصادر عن محاولات المطران الحثيثة لتسويق جريصاتي. إلا أنه ينفي ذلك، «أنا اتصلت ببري بطلب من البطريرك لحام بسبب نقص التمثيل الكاثوليكي في طاولة الحوار». أما في ما خصّ جريصاتي، الذي يشارك في اجتماعات تكتل التغيير والاصلاح، فهو «شخصية مميزة ولديه حضوره ومستقل عن بقية التيارات في زحلة». لا ينفي الصداقة التي تجمعهما، «وأنا مستعد لأكون صديق من يعمل لمصلحة زحلة وبالتوافق مع المطرانية التي تشجع بروز أطراف تهتم بالشأن العام». ويتحدث عن «شخصيات كاثوليكية مهمة ربما من المبكر أن نذكرها… أنا شخصياً رجل مؤسسات وإنماء، يهمني أن يكون حولي فريق كبير من الزحليين من أجل أن نتعاون لإنماء المنطقة».
يبغي المطران «الإشراف» على حَبْك جميع خيوط اللعبة و«فرض» نفسه لاعباً أساسياً. الخلاف مع ورثة سكاف لم يمنعه من العمل على إقناع آل فتوش بحضور مراسم الأربعين. «لا أعرف ما يحصل، ولكن إن شالله»، يجيب المطران، مضيفاً: «سأعمل لكي تكون العلاقة جيدة». إلا أنّ المصادر تنقل عن العائلة استهزاءها بهذه الخطوة: «إضافة الى الخلاف السياسي والأخلاقي مع نقولا فتوش، رفع الأخير دعوى نزاع حول المصاريف الانتخابية ضد إيلي بيك وهو في الغيبوبة».
العمل السياسي بدأ في زحلة من أجل «وراثة» سكاف. المنطقة مُقبلة على مفترق طرق، حتى ولو كانت الانتخابات النيابية بعيدة. يبقى التعويل على قدرة ميريام على «حضن» جمهور آل سكاف. أما درويش فيقول: «الست ميريام بحاجة الى وقت حتى تختار أين تريد أن تكون. نحن نبارك خياراتها».