عروس البقاع تخلع عباءتها العائلية لصالح الحزبية
زحلة الكاثوليكية خرجت بانتصار ماروني!
لم يكن فارق الأصوات الضئيل بين آخر الرابحين على لائحة «تحالف الاحزاب» في زحلة وأول الخاسرين على اللائحة المدعومة من ميريام سكاف، سوى الدليل على ما كانت تخشاه «البوسطة» الحزبية وتحسب له ألف حساب، بأن يتمكّن حتى «كوماندوس» واحد من لائحة «الستّ» أو لائحة موسى فتوش، في كسر شوكة انتصار التفاهم المسيحي الذي أرادته الرابية ومعراب «فاتحة» لانتصارات أخرى يُراهن عليها في جبل لبنان وصولا الى جزين.
من واكب تفاصيل غرفة العمليات من مقرّي ميشال عون وسمير جعجع الموصولة، كان يدرك الأهمية الإستراتيجية القواتية ـ العونية لفوز نظيف على بقعة، ستفرض طرح تساؤلات باكرة عن مصير الائتلاف الحزبي المسيحي الرابح عند أول كوع خلاف سياسي بين الحليفين الجديدين!
خسرت ميريام سكاف رهانها على الرغم من مظاهر الفوز الخجولة والمصطنعة التي رافقت صدور النتائح تباعا ليل الاحد ـ الاثنين. وإذا صدق قولها في ما كانت تحذّر منه والذي كرّرته في جولاتها الانتخابية عشرات المرات في الأيام الماضية عن «حرب الإلغاء» ضدّها تحفيزا للناخبين من أجل الاقتراع لصالح إرث ايلي سكاف، فإن «القوات» والعونيين شطبوا فعلا «الكتلة الشعبية» من «المعادلة البلدية»، وأكملوا زحفهم باتجاه آل فتوش.
ولعل من أبرز نتائج معركة الأحد هو تغيير العباءة الزحلية، وتحديداً في الانتخابات البلدية في زحلة من العائلية إلى الحزبية، من دون تمكن اللائحتين العائليتين للزعامات الزحلية من تسجيل خرق واحد في صفوف الأحزاب المتحالفة.
لكن، لأن الارقام تتكلّم يمكن الجزم ان تذوّق السكافيين طعم الخسارة القاسية لا يعني بتاتا إزاحة «الستّ» عن الواجهة، ولكن لا يمكن التغاضي أبداً عن اكتساح ألأحزاب بنحو نسبة 65 في المئة في أقلام أحياء الراسية ومار الياس المحسوبة تاريخياً في الجيب السكافي، وهي أقلام كاثوليكية صافية. في المقابل، سريعا جدا بادر بعض من خاض معركة تكريس الوجود بوجه رئيسة «الكتلة الشعبية» الى الاعتراف بأن هذه الانتخابات نفسها قد تحيلها حليفا طبيعيا من ضمن الحصة المسيحية لـ «تيار المستقبل» في الانتخابات النيابية المقبلة.
يكفي القول ان قدرات «الكتلة الشعبية» في حشد الاصوات كادت توازي قدرة الاحزاب المسيحية مجتمعة، وهذا ما لا يمكن تجاوز دلالاته، وإن كانت الخسارة تفرض حصول إعادة تقييم لآلية اتخاذ القرار ضمن «الكتلة» ولكيفية إدارة المعارك الانتخابية بعد غياب ايلي سكاف.
الترجمة الحقيقية لمعنى الخسارة المدوّية يمكن رصدها بسهولة في عقر دار «الفتوشيين» الذين عايشوا ما يشبه «هستيريا» الاقصاء، على الرغم من جذب لائحة فتوش لعدد كبير من أصوات الكاثوليك «وحزب الله» و»حركة أمل» وأصوات المجنّسين.
21 عضوا لتكتّل الاحزاب المسيحية والعائلات مقابل صفرين للائحة سكاف وفتوش. كل الحماسة الحزبية والعائلية والاقطاعية كانت حاضرة من أجل تتويج نهار زحلة الشاق والطويل والحارق للاعصاب بأرقام كرّست «القوات اللبنانية» رقما صعبا و»التيار الوطني الحر» شريكا مضاربا و»الكتائب» كحليف ملتزم، وحملت ميريام سكاف الى اختبار المعنى الفعلي لعبارة «الى أين» بعد الضربة البلدية القاسية، ودفعت نقولا فتوش الى التواضع والاقرار بهزيمة كانت تأخذ قبل أيام، من جانب مناصري النائب الزحلي، شكل «العضلات الكرتونية»، وأخرجت «حزب الله» بخسائر الحدّ الادنى من معركة «تكسير الرؤوس».. «راضيا» الجميع على طريقته.
أرقام ودروس زحلة كانت أكثر من معبّرة وفق المؤشرات والمعطيات الآتية:
ـ سيكون صعباً جداً تجاهل المقارنة التي فرضت نفسها بين الاقبال المسيحي المتدنّي جدا على صناديق الاقتراع في بيروت وذاك الذي رافق الحماسة المسيحية في مدينة «مربى الأسود». الحلفاء المسيحيون الذين خاضوا المعركة في العاصمة هم أنفسهم من خاض المواجهة في زحلة، ومع ذلك كان الفارق في المشاركة المسيحية معبّراً جداً، ما يمنح عاصمة البقاع خصوصية تتجاوز سطوة الاحزاب نحو الانغماس المسيحي العام في اللعبة الانتخابية المتعاطف مع «حالة المقاومة المسيحية» التي خبرتها زحلة في الماضي.
ـ تؤكّد أوساط اللائحة الفائزة أنه لآخر لحظة وقبل إعلان النتائج النهائية، كانت الشكوك قائمة من إمكانية الخرق من جانب اللائحة المدعومة من سكاف في ظل التساؤلات والشكوك حول أوجه ترجمة قرار «حزب الله» في توزيع أصوات مناصريه بين اللوائح الثلاث، خصوصا ان التوقعات كانت تتحدّث عن تجيير «حزب الله» نحو ألفي صوت، الامر الذي كان كفيلا بحدّ ذاته ـ في حال نزل الحزب بثقله ـ ليس فقط بإحداث خروقات في لائحة أسعد زغيب، بل نفاذ المرشّحين العونيين بريشهم فقط، وفوز أكثرية الاعضاء على لائحة ميريام سكاف. والأهمّ هو المال الانتخابي الذي ترى أوساط لائحة زغيب أنه كان سلاحا فتّاكا في معركة تحديد الاحجام الى درجة لم يتسن فيها للمعنيين توثيق كافة الشكاوى المرتبطة به.
ـ فارق الصوت البسيط (160 صوتاً) بين آخر رابح على لائحة اسعد زغيب (علي الخطيب ـ شيعي)، وأول الخاسرين على اللائحة المدعومة من سكاف (يوسف سكاف) دلّ ليس فقط على حماوة المعركة بل على ميزان الجوهرجي الذي اعتمده «حزب الله» في توزيع أصواته حارما المرشح الشيعي على لائحة اسعد زغيب من نعمة أصواته، مجيّرا إياها بشكل أساسي للعونيين الخمسة على اللائحة، ما ساهم برفع نسبة الاصوات التي صبّت لصالح بعض أعضاء لائحتيّ فتوش وسكاف من دون أن تنجح لائحة سكاف في الوقت نفسه من إحداث خرق في لائحة الاحزاب. مع العلم ان ثمّة معلومات أفادت بأن الحزب لم يعمد فقط الى توزيع لائحة الكوكتيل الخاصة به، بل «سوّق» لعدد محدود من لائحة أسعد زغيب. أما الصوت السنّي الذي صبّ بأكثريته لصالح لائحة سكاف فقد أظهر، برأي متابعين، ضعف سطوة «تيار المستقبل» في الشارع السني في زحلة.
ـ أظهرت ماكينة الاحزاب المسيحية عرض عضلات، لكن لم يكن كافيا وحده لإبعاد شبح الخروقات المتوقعة. «الجنود المجهولون» الذين دخلوا بقوة، من خارج عباءة الاحزاب، على خط تحفيز الناخبين للاقتراع ودعم اللائحة، اشتغلوا بأمانة على المفاتيح الانتخابية والمخاتير و «الجيوب»… بهذا المعنى المال الانتخابي حضر لدى الجميع، الفارق فقط تجسّد في الاسلوب وقيمة المبالع المدفوعة.
ـ أظهرت الأرقام المتقاربة التي حازها أعضاء كل لائحة على حدة عدم حصول تشطيب منظّم بين المتحالفين، وعلى التزام معظم الناخبين باللائحة كاملة.
ـ العقل المخطّط لخوض ميريام سكاف المعركة بوجه الاحزاب وفتوش معا كان يتصرّف على أساس «ان ربحت ربحت.. وان خسرت ستربح» استنادا الى ما ستناله من أرقام في الصناديق المسيحية الى جانب الصوت السني والشيعي، مع العلم ان رهانها الاول كان على إحداث خروق متعدّدة في لائحة أسعد زغيب.
ـ أعطى تحالف الاحزاب المسيحية الثلاثة طابعا مارونيا طاغيا للمعركة على أرض كاثوليكية، في وقت صبّ فيه الصوت الماروني بغالبيته لصالح اللائحة الفائزة بموازاة استنفار اللائحتين المنافستين لشدّ العصب الكاثوليكي، مع العلم أنه قبل يوم واحد من فتح الصناديق كان سمير جعجع يردّد أمام من يلتقيه لازمة «ما يهمّني نجاح تجربة التوافق المسيحي على أرض زحلة تحديدا.. حتى مفاوضات الحصص لم تكن تهمّني».