خطاب “الدويلة” ليس له مكان في قاموسها السيادي والاستقلالي
فشل «حزب الله» في دائرة زحلة والبقاع الأوسط الانتخابية في حفاظه على التحالف المعهود مع عائلات زحلية التقليدية، لما لـ»عاصمة الكثلكة» من خصوصية محلية ومشرقية فكانت صفعة مدوية في فلك العيش المشترك.
هذا الفشل لم يكن بالأمر السهل، فهو يعتبر محطة مفصلية يترتب عليها تبعات سياسية تزيد من الشرخ في بنية المجتمع البقاعي خاصة، وترفع من منسوب الإصطفاف الطائفي الناجم من خطاب التخوين والإستقواء بالسلاح وبفائض القوة.
فما يحصل حالياً في البقاع أن «دار السلام» قالت كلمتها لـ»حزب الله» ولكل من يحالفه من القوى المسيحية أن خطاب «الدويلة» داخل الدولة ليس له مكان في قاموسها السيادي والاستقلالي.
ترجم ذلك أن جميع الشخصيات الكاثوليكية الزحلية مستقلة وحزبية بما فيها المحسوبة على فريق «الحزب» وسوريا رفضت ترؤس لائحة تحالف «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وقوى 8 آذار، رغم وعود «الحزب» برفد المرشح الكاثوليكي بالأصوات الشيعية، فكان الرفض إنطلاقاً من أن التحالف ينعكس سلباً ويؤدي الى خسارة الصوت المسيحي في المدينة.
هذا ما حصل مع الوزير السابق نقولا فتوش بحسب مصادر مقربة منه أن قراره بالعزوف عن الترشح عشية اقفال باب الترشيحات حسمه، بعد أن رفض نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم تقديم الضمانات له برفده 7 آلاف صوت، باعتبار أن تحالفه في الدورة السابقة كان أشبه بمن تجرع الكأس المرة، فأدى الى خسارته ثلثي ما يمثل في الشارع المسيحي.
وتابع المصدر بعد جواب فتوش النهائي، ومحاولات قيادة «الحزب» استمالة رئيسة الكتلة الشعبية مريام سكاف بعرض التحالف أصرّت سكاف على الرفض الحاسم، وانها بصدد انجاز تشكيل لائحتها، حينها قدم «الحزب» فشله الى «التيار الوطني الحر» على طبق النائب سليم عون، الذي كان له الباع الطولى في افشال أي اتفاق مع الشخصيات الكاثوليكية التي رُشحت لترؤس اللائحة، بحسب ما أكده مصدر «برتقالي» لـ»نداء الوطن». وتابع المصدر: «بعد رفض فتوش، نجح سليم عون بإقناع قيادة «ميرنا الشالوحي» بإبعاد كلٍ من الوزير السابق سليم جريصاتي، ورجل الأعمال جان عرابي من معادلة ترؤس اي منهما اللائحة ليبقى عون مرشح التيار الوحيد وصوته التفضيلي»، لأن «التيار» في الاوسط لا تتجاوز قدرته الـ3500 صوت، عدا عن رفض شريحة واسعة من المحازبين التصويت لعون، أوضحت معلومات أن «القيادة رفضت عرض سليم عون أن يكون هو رئيساً للائحة، انطلاقاً من انه الوحيد فيها كان نائباً في دورتين نيابيتين سابقتين، خلافاً للعرف القائم أن يكون رئيسها كاثوليكياً، فرست المشاورات لأن تعلن اللائحة من دون رئيس لها كما في الانتخابات السابقة». وأكدت المصادر لـ»نداء الوطن» أن اللائحة ضمت حتى اللحظة مرشح «حزب الله» رامي أبو حمدان عن المقعد الشيعي، وسليم عون عن الماروني (وطني حر)، وحسن ديب صالح عن المقعد السني (البعث)، وداني الرشيد عن أحد المقعدين الكاثوليكيين (مستقل)، وجورج بوشكيان عن الارمني (حزب الطاشناق)، اما الارثوذكسي فأصبح بين طوني الشقية (وطني حر) ووجيه الفرنجي (البعث).
أمام هذه المعادلة اصبح المشهد الانتخابي شائكاً ومتداخلاً، من جهة «حزب الله» يصرّ على مصادرة القرار الزحلي بفائض قوته وبالصوت الشيعي، ومن جهة اخرى «القوات» تخوض معركتها لتحصيل الحاصل الثالث بتحالفها مع مرشح الرئيس فؤاد السنيورة عن المقعد السني الدكتور بلال الحشيمي.
فيما «البيوتات» السياسية تخوض معركة اثبات وجودها، لانه بحساباتها المعركة تأخذ بعداً إلغائياً لما تبقى من عراقتها في المدينة وحضورها وحيثيتها (الزعامة السكافية المتمثلة برئيسة الكتلة الشعبية مريام سكاف، والوزير السابق نقولا فتوش)، وأيضاً لأي شخصية مستقلة خلقت لنفسها حيثية وحضوراً سياسياً (ميشال ضاهر)، وبالتالي أصبح الهدف تركيز على تحجيم «وزن» الإقتراع بهدف تقليل قيمة الحاصل الثاني، بضعضعة «الكتلة السنية الناخبة» وتحويل قوتها من بيضة قبان الى كسور، فيساعد على ذلك موجة الترشيحات التي سجلت رقماً قياساً، توزعوا على لوائح «المجتمع المدني والتغييريين» و»زحلة تنتفض» و»إئتلاف قضاء زحلة»، و»مواطنون ومواطنات»، ولوائح السلطة والقوى السياسية.
أما في البيئة الحاضنة لـ»الحزب» فيعمل محازبوه على استنهاض الجمهور باطلاق شائعات تعطي انطباع القوة، وخوض المعركة بخطة محكمة للفوز بـ3 أو 4 مقاعد،على عكس الواقع الظاهر على الأرض.
وفي هذا الصدد يقول متابعون، إن «حزب الله» هو الاكثر قدرة على التحكم بتوظيف التأييد الشعبي ومصادرة القرار والمزاج، إن في الخطاب الديني أو في بدعة «التكليف الشرعي»، كخطة دفاعية لمنع حصول المعركة في ملعبه، وابقائها في الملعب «السني»، لما يعانيه حالياً من تصدع وارباك، اضافة الى غياب المنافس الكاثوليكي من لائحته، ما يشجع النائب ميشال ضاهر التخفيف من حماسته لكونه الأقرب الى الشارع السني من باقي القوى السياسية والأقدر على تحفيز الناخبين للإقتراع.
في المقابل يحاول «الحزب» اخفاء خوفه من ظهور نسبة تراجع مؤيديه في القرى ذات الغالبية الشيعية، للإيحاء للرأي العام أن قوته الجماهيرية لم تتأثر بإنتفاضة 17 تشرين، ليروج أن عديد ماكينته الإنتخابية في الاوسط وصلت حد 5 آلاف شخص، بقدرة تحشيدية تصل الى 20 ألف صوت ما يؤمن له مقعدين من دون تحالف مع احد.