نزالٌ حامٍ تشهده دائرة البقاع الأوسط – زحلة. حرب على المكشوف بين حزب الله والتيار الوطني الحر من جهة والقوات اللبنانيّة التي تُراهن على رافعة الصوت السني، بعدما زكّى الرئيس فؤاد السنيورة أحد المسؤولين المستقبليين ليكون على لائحتها. فيما يتوقع أن يعيد دخول السعودية إلى المشهد خلط الأوراق
ثلاث من اللوائح المتنافسة في دائرة البقاع الأوسط – زحلة (لائحة القوات اللبنانية مدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة، ولائحة ميريام سكاف، ولائحة النائب ميشال ضاهر) تتنازع على الكتلة السنية التي تعدّ نحو 54 ألف ناخب يصوّت منهم عادةً أكثر من 26 ألفاً.
الرهان هو على الصوت السني ولو أنّ الغلبة هنا للمسيحيين الذين تُقدّر أصواتهم بنحو 120 ألفاً لا يُشارك معظمهم في الاستحقاق، ناهيك عن هجرة نسبة كبيرة منهم إلى الخارج. أما الأصوات الشيعيّة التي تُقدّر بنحو 28 ألفاً فستصب في غالبيتها في اللائحة المدعومة من حزب الله والتيار الوطني الحر وتضم الرئيس السابق لبلدية مجدل عنجر حسن صالح عن المقعد السني.
الكباش بين اللوائح المتنافسة هو تحديداً على «قدامى» تيار المستقبل الذين يتناتشون إرث الرئيس سعد الحريري علناً. السنيورة كان أوّل المسارعين إلى الصحن المستقبلي لحجز حصّته بعدما زكّى المسؤول المستقبلي السابق بلال الحشيمي الذي «يملك» مسجداً ومدرسةً في مسقط رأسه تعلبايا. بعد استشارة «دولة الرئيس»، توجّه الحشيمي إلى مجدليون لأخذ بركة «الست»، إلا أنّ النائبة بهية الحريري رفضت تبنيه. فعاد السنيورة و«دفشه» باتجاه الوزير السابق نهاد المشنوق الذي لن يعمل على تعويم مرشح آت من «السادات تاور». لم يستسلم السنيورة وعرض على الحشيمي أن يقصد منسق عام المستقبل في البقاع الأوسط سعيد ياسين المحرج لوجود 4 مرشحين من بلدته مجدل عنجر من بينهم صهره، فتفادى الإحراج بتأكيد التزامه موقف الحريري.
حربٌ بين المشايخ
عاد الحشيمي إلى تعلبايا وبدأ حملته الانتخابية بغطاءٍ من السنيورة. ردّه على رافضي دعمه بسبب تحالفه مع «القوات» هو كالمعتاد: عدم ترك الساحة السنية لحزب الله. سخّر الرجل «مسجده» للحملة الانتخابية، وعمل إمام المسجد الشيخ عيسى خير الدين على لمّ شمل بعض المشايخ مخصصاً خطبه لدعم الحشيمي، ووصل به الأمر حدّ تشجيع الناخبين على قبض رشاوى انتخابية من المرشحين شرط أن يقترعوا للحشيمي الذي شبّهه في إحدى خطب الجمعة بـ«الخليفة عمر»! فيما حوّل المحكوم سابقاً بالتعامل مع العدو الإسرائيلي زياد الحمصي منزله إلى قاعدة انتخابيّة لأنصار الحشيمي، ووزّع حصصاً غذائية وغالونات مازوت.
استُفز مشايخ مناوئون للحشيمي لم يترددوا في استخدام منابرهم في مساجد قرى البقاع الأوسط، فتحوّلت الخطب الأسبوعية إلى سجالات حامية وسرعان ما انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي ووصلت إلى حد الشتائم.
دار الفتوى لم تتدخل. من زار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لدعوته إلى فك الاشتباك بين مشايخ البقاع، فهم منه أنّه مُحرج ولن يتدخّل بين مناصري الحريري والسنيورة. دفع ذلك بمجموعة من المشايخ المحسوبين على الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية وهيئة العلماء المسلمين والصوفيين، إلى تشكيل لجنة خرجت بترشيح الشيخ خليل الواس، من إحدى عشائر بر الياس، عن المقعد السني. كان الواس المقرب من الجماعة يمتلك فرصةً جدية للوصول إلى المجلس النيابي لما يمتلكه من حيثية شعبية، إلا أنّ اللوائح سرعان ما نفضت يدها منه بسبب حساسية تقديمه إلى الناخبين المسيحيين في زحلة وسحبت الأحزاب بساط دعم المشايخ له فأعلن انسحابه.
أما ميشال ضاهر، فاختار أن يكون على لائحته مرشح قوي مقرب من تيار المستقبل هو المدير العام السابق لوزارة الثقافة عمر حلبلب. صحيح أن بهية الحريري اضطرت لإصدار بيان تؤكد فيه أنّها لم تتبنّ حلبلب، إلا أن الماكينات الإنتخابية في البقاع الأوسط تؤكّد عكس ذلك. وتشير إلى لقاءٍ بين ضاهر والأمين العام للمستقبل أحمد الحريري الذي زكى حلبلب في مواجهة الحشيمي. وهذا اللقاء تُرجم على الأرض بدعمٍ من منسقي المستقبل في البقاع سعيد ياسين ومحي الدين الجمال لحلبلب من تحت الطاولة.
مع ذلك، لا تبدو حظوظ حلبلب مرتفعة، ويبدو أنه سيُقدم أصواته التفضيلية السنيّة على «طبقٍ من ذهب» لصالح ضاهر.
أبرز المنافسين للحشيمي سيكون محمد شفيق حمود المرشح على لائحة ميريام سكاف. ففي حال حصول «الست» على حاصلٍ سيكون لصالح حمود أو المرشح الأرمني على لائحتها، باعتبار أن استطلاعات الرأي تُشير إلى أن المعركة على مقعد الروم الكاثوليك ستكون على الأغلب محصورة بين النائب القواتي جورج عقيص وضاهر.
العشائر التي يُشكّل أفرادها نحو 20% من الناخبين السنة لم تحسم خيارها بعد
كلّ ذلك يشير إلى أن المعركة في دائرة البقاع الأوسط – زحلة ستكون محتدمة. الصراع السياسي بين حزب الله – التيار الوطني الحر من جهة والقوات اللبنانية سيكون علنياً في هذه الدائرة. ولذلك، ينتظر كثيرون أن تدخل السعودية بثقلها إلى المشهد لتجيير الأصوات السنية لمصلحة القوات مما يكسبها حواصل إضافية. وعليه، لا يستبعد أن تتغيّر خلال المرحلة المقبلة وجهة بعض مفاتيح المستقبل الانتخابية في قرى بقاع السهل وأن يقوم هؤلاء بنقل البارودة من كتفٍ إلى كتف، من حلبلب إلى الحشيمي، تلبيةً لرغبة «طويل العمر».
وإذا كانت لهذه المفاتيح قدرة على إدخال بعض التعديلات على المعركة، فإنّ بيد العشائر المجنسّين الكلمة الحاسمة في قلب الطاولة لصالح القوات. ما يؤكد ذلك أن العشائر التي يُشكّل أفرادها نحو 11250 ناخباً (نحو 20% من الناخبين السنة) لم تحسم خيارها بعد. والأهم أن العشائر في الفاعور وبر الياس سحبت مرشحيها من دون أن تُقدم بديلاً عنهم ما يفتح الأبواب أمام تسوية مع إحدى اللوائح إذا ما أعطت السعودية إيعازها.