لا أحد يفهم على الزحليين أكثر من صناديق الاقتراع. يكتفون بالابتسام وتناقل النكت وتمويه مواقفهم في انتظار وصول الصناديق إلى مدارسهم. عندها فقط يصفّون حسابهم مع النواب الغائبين والود المستجد بين النائب نقولا فتوش والإصلاح والتغيير والوراثة السياسية ومن يعتقدون أنهم قادرون على شراء الناخبين وكل الآخرين
موضة الصحف لم تعد رائجة في مدينة زحلة منذ سنوات. الصحف المحلية التي لا تتضمن غير الأخبار المملة عن لقاءات ناشريها وصورهم لا تلقى رواجاً. أما كاميرات التلفزيونات فلا يمكنها الوصول إلى خفايا المدينة وخباياها.
الموضة اليوم هي الواتساب. أعدّ كل فريق سياسي قائمة بأرقام الهواتف وجهّز الفريق اللازم لضخ الأخبار العاجلة: مرة مقتطفات من مقال صحافي، ومرة خبر، ومرة شائعة. الواتساب أسرع من الاجتماعات الحزبية، وأفعل من اللوائح الاعلانية التي ملأها المرشح موسى فتوش بالحسناوات. يمكن من يشاء شراء خط هاتفي وإرسال شائعة لعشرة آلاف زحلي، ثم نزع الخط وإتلافه لإكمال حياته كأن شيئا لم يكن. وهكذا، لا تفارق عيون الجالسين في المقاهي هواتفهم في انتظار أن يضيء خبر جديد الشاشة ليبدأوا تناقله وبناء التحليلات عليه. وهذه الأخبار التي تأخذ المدينة يميناً ويساراً هي السلاح الرئيسي في يد المتنافسين الذين يتموضعون في فريقين واضحين: يتمحور الأول حول آل سكاف، فيما يتآلف في الثاني القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب. وفي موازاتهما يخوض آل فتوش المعركة بكل ثقلهم المالي والخدماتي لإثبات حيثيتهم الشعبية في صناديق الاقتراع، على نحو يذكّر بتجربة التيار الوطني الحر عام 2010 حين خاض مرشحه غمار الانتخابات منفرداً لإثبات حجم التيار. وهي أول تجربة من هذا النوع للأخوة فتوش الذين وجدوا دائماً مكاناً للنائب نقولا فتوش على اللائحة الأقوى من دون أن يتسنّى لأحد اكتشاف حجمهم الحقيقيّ في المدينة.
تتداخل نقاط قوة اللائحتين بنقاط ضعف كل منهما:
أولى نقاط قوة لائحة الكتلة الشعبية تكمن في وجود طباخ واحد. تسمع ميريام سكاف كل وجهات النظر وتعود إلى مكتبها لغربلتها واتخاذ القرار المناسب، فيما يتعدّد الطباخون للائحة القوات: واحد في معراب وآخر في الرابية، وثالث في بكفيا، واثنان أو أكثر في زحلة. ولك طبّاخ من هؤلاء «ذَوقاً» يختلف عن الآخر.
ثاني نقاط قوة الكتلة الشعبية هي الماكينة الانتخابية التي باشرت عملها منذ ثلاثة أشهر داخل غرف مغلقة لا تدخلها إلا قلة قليلة يصعب اختراقها. وقد أنهت هذه الماكينة كل التفاصيل اللوجستية ،من الكومبيوترات وبطاقات الهاتف الخلوية إلى السندويشات، فيما لم تحدد ماكينة زغيب موعداً للاجتماع بعد.
أما ثالثة نقاط قوة الكتلة فتتعلق بالمصاريف الانتخابية التي تتحمل سكاف مسؤوليتها، فيما لا تملك لائحة زغيب أي تصور مالي حتى الآن، علماً أن انتخابات زحلة مكلفة، وآل فتوش مستنفرون وسيأخذون من درب القوات والعونيين بحكم الفرز التاريخي بين أنصارهم وأنصار سكاف.
رابعا، التجانس مطلق بين المكوّنات العائلية للائحة سكاف، فيما التوتر سيد الموقف بين مكوّنات لائحة القوات. إذ يسود التوتر الشديد علاقة زغيب بالتيار الوطني الحر بعد رفضه التفاهم مع فتوش أولاً، ورفضه إعطاء العونيين منصب نائب الرئيس ثانياً. أما حزب الكتائب فيذهب إلى الائتلاف مجبراً لرفض النائب إيلي ماروني التفاهم مع الكتلة الشعبية، وتبلغ حصته عضوين فقط، فيما يحصل كل من العونيين والقوات على خمسة، بعدما كان الكتائبيون يطالبون بحصة مساوية لحصة كل من العونيين والقوات. ويتوقع بالتالي أن يكون التشطيب سيد الموقف.
خامس نقاط قوة الكتلة الشعبية هو الشعور الزحلي العام بالتعاطف مع سكاف التي استفادت من حملات خصومها التشهيرية المتسرعة في حقها أكثر مما أفادتهم بكثير.
في المقابل، فإن نقاط قوة لائحة القوات كثيرة:
أولاها أنها لائحة «الاتفاق المسيحيّ ــ المسيحيّ الذي يريح الرأي العام المسيحي» ويذكّر البعض بالحلف الثلاثي، علماً أن كلام المحيطين بزغيب في اليومين الماضيين عن وجوب مغادرة العونيين للإئتلاف والتحاقهم بموسى فتوش في حال لم تعجبهم شروطه، يوحي بعدم تقديره جدياً أهمية هذه النقطة.
وثانيتها أن رئيس اللائحة يتمتع بقوة شخصية استثنائية توحي بأنه قليل الوفاء تارة وغير منضبط طوراً، فيما هو، عملياً، ينفّذ ما في رأسه بدل أن ينتظر الأوامر. أما رئيس لائحة الكتلة الشعبية يوسف سكاف فهو عضو مجلس بلدي منذ عام 1998، والهدوء الذي يتحلّى به لا يترك انطباعاً بقدرته على اجتراح الأعاجيب، و»لو كانت ستمطر لكانت غيمت» يقولون في زحلة.
وتحظى اللائحة، ثالثاً، بدعم نواب المدينة وغالبية وزراء السنوات القليلة الماضية ورجال أعمال يدورون في فلك القوات والعونيين. وهذه نقطة قوة وضعف في الوقت نفسه، بحكم مواظبة أنصار سكاف على تعداد إنجازات النائبة ستريدا جعجع في بشري، وفق ما قالته في مقابلتها التلفزيونية، مقارنين بينها وبين الإنجازات شبه المعدومة لنواب زحلة. لماذا؟ لأن أولوية القوات بشري لا زحلة. ويتداخل بذلك انتقادهم لأداء النواب بانتقاد الأحزاب التي توحي بأنها تقدم نموذجاً آخر، فيما المضمون عائليّ ومناطقيّ أيضاً.
أما رابعة نقاط قوة لائحة القوات فتتمثل في الأداء السيئ للمجلس البلدي الحالي الذي سبق للكتلة الشعبية أن فازت به قبل أن يغسل الوزير الراحل الياس سكاف يديه منه. علماً أن ترشيح القوات والعونيين لزغيب يحول دون استغلالهم هذه النقطة كما يجب باعتباره رئيساً سابقاً للمجلس البلدي، ولا أحد يشك في أنه لن يفعل اليوم ما لم يفعله في دورتين متتاليتين.
أما أبرز نقطة ضعف في لائحة القوات التي تلهج المدينة بالحديث عنها فهي خشية زحلة من تسليم كل مفاتيحها لطرف سياسي واحد يحتاج الزحليّ للوصول إليه الى الوقوف في صف انتظار طويل. ولا شك في أن الأحزاب قصّرت كثيراً في إعداد ماكينة خدماتية مرنة للحالات الطارئة على نحو يبقي الناخبين في خشية من إغلاق البيوتات السياسية. كما أن افتقاد لائحة القوات لدعم الناخبين السنة والشيعة، مقابل تجيير هؤلاء خمسة آلاف صوت في أقل تقدير للائحة الكتلة الشعبية، يمثل نقطة قوة كبيرة لسكاف وضعف للقوات، في وقت تحول التفاهمات السياسية العليا دون تحريض القوات والعونيين مذهبياً أو سياسياً ضد انفتاح سكاف على حزب الله وحركة أمل والمستقبل.
أخيراً يتوقع أن تعلن الكتلة الشعبية لائحتها السبت المقبل بعد إجراء ما يشبه الانتخابات بين العائلات المؤيدة لها، كلّ حيّ بحيّه، في عملية تبدو لمن يطلع عليها أكثر ديمقراطية بكثير من آلية الأحزاب لاختيار مرشحيها، فيما يؤجل إعلان لائحة القوات ريثما يرسو تقاسم الحصص بين جميع مكوناتها على بر. والأكيد انه سواء نجح زغيب في إرضاء الجميع وشكّل لائحته، أو قررت قيادتا القوات والتيار استبداله لخوض معركة حقيقية كأحزاب ضد العائلات فإن زحلة تتحضر للمعركة الرقم واحد في هذا الاستحقاق الانتخابي.
كلما سألت زحليّاً في الشارع عن الانتخابات، سينصحك بالتوجه إلى قهوة أبو حمرا. الموعد مع أيّ سياسيّ في المدينة خارج منزله سيكون في قهوة أبو حمرا. وأبو حمرا هذه مقهى، أو محل كوكتيل صغير، لا يوحي شكله أبداً بأنه ناد سياسي يحجّ إليه أبناء المدينة لتبادل الأخبار والنقاش والتحليل السياسي. صاحبه ورثه عن والده منذ بضعة عقود، وهو كان في الصورة قبل سبعين عاماً أشبه بسوبرماركت يبيع العصير، إذ تمتلئ جدرانه برفوف تغصّ بالبضائع يجلس الزبائن تحتها يشربون قهوتهم. في تلك الأيام، يقول أبو حمرا، كان ثمة سينما قريبة، والسراي غير السراي اليوم، والسوق مزدحماً، متجنّباً الحديث عن السياسة تلك الأيام والسياسة اليوم.