علمت «نداء الوطن» أنّ دفتر الشروط المحدّد للإنطلاق بمناقصة لتلزيم تشغيل شركة كهرباء زحلة، بعد انقضاء المهلة الممدّدة للقانون 2020/ 198، بات جاهزاً. ووفقاً لمراسلة أخيرة بين هيئة الشراء العام ومؤسّسة كهرباء لبنان، طلبت الهيئة من المؤسّسة أن تباشر باتّخاذ الإجراءات لإطلاق المناقصة من دون مماطلة أو إبطاء.
إطلاق المناقصة يشكّل بنداً أساسياً في القانون 2020/ 198 الممدّد للقانون 107/2018 الذي منح مشغّلي كهرباء زحلة قدرة على الإستمرار في إدارة الإمتياز السابق. وقد أوجب القانون إعداد دفتر شروط لتلزيم الشركة خلال مهلة سنتين من تاريخ نشره. ولكن المناقصة لم تحصل، بعدما ساد جدل حول دفتر الشروط الذي أعدّته مؤسسة كهرباء لبنان، ولم يتقدّم أي من الملتزمين بعرض بشأنه. ليأتي التمديد الثاني لعقد الشركة لمدة ثلاثة أشهر، بالإستناد إلى رأي لهيئة التشريع والإستشارات، الذي أجاز للشركة بأن تستفيد من قانون تمديد المهل الذي صدر خلال فترة جائحة «كورونا».
وهذه الإستشارة وفقاً لقانونيين تستنبط قوّتها من كونها صادرة عن هيئة التشريع والإستشارات، ولكنّها بالبعد القانوني لا قوّة لها لتمديد القانون، ذلك لكون تمديد القانون لا يكون إلا بموجب قانون، فيما القانون الذي شُرّع على أساسه التمديد لا يمكن أن يشمل شركة كهرباء زحلة، كونه لا يتحدّث عن المهل الإدارية. وبالتالي تقول مصادر مطلعة «إنّه لم يكن هناك ضرورة بالأساس لأن تخاطر هيئة التشريع بسمعتها لإعطاء استشارة من هذا النوع، طالما أنّ العقد ممدّد بحكم استمرارية المرفق العام»، وهو ما ينطبق على المرحلة المقبلة من انتهاء المهلة الممدّدة للمشغّل حالياً، حيث إنّ عدم إلزام المشغّل باستمرارية تسيير المرفق العام وفقاً لمصادر مطلعة، يعتبر تقاعساً من مؤسسة كهرباء لبنان.
تعود هذه المصادر في حديثها عن الخصوصية التي تتمتّع بها زحلة بالنسبة لإدارة كهربائها، إلى سنة 2018، عندما صدر عن مجلس النوّاب القانون 107 الذي أعطى الإدارة السابقة التي كانت تتولّى مهام إمتياز شركة كهرباء زحلة الحقّ بتشغيل هذا المرفق، ما أمّن غطاء لمشغّلها الذي كان يدير فقط توزيع الكهرباء المنتجة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك قبل احتكار خدمة المولّدات الخاصة التي قضت على مولّدات الأحياء بشكل نهائي في زحلة و16 قرية تقع ضمن نطاق امتياز الشركة.
شرّع القانون 107 إذاً لشركة كهرباء زحلة توليد الطاقة، خلافاً للأنظمة اللبنانية التي لم تستكمل أيّاً من إجراءات خصخصة الإنتاج، أقلّه من ناحية إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. وثبّت ذلك بالقانون 198/2020 الذي جدّد العقد مع المشغّل الحالي للشركة حتى تاريخ 29 كانون الأول 2020.
إلا أنّه وفقاً للمدير السابق للمديرية العامة للإستثمار غسان بيضون، فـ»إنّ موضوع العقد بالأساس غير موجود، كون المولّدات التي يفترض أنّها تؤمن الإنتاج الخاص ليست ملكاً لمؤسّسة كهرباء لبنان، بل للمشغّل الحالي، وبالتالي لا يمكن التعاقد على تشغيل شيء لا تملكه المؤسّسة بالأساس. وما جرى هو تأمين مشروعية لمولّدات الشركة، فيما هي لم تتأمّن لسائر المولّدات الخاصة التي تغذّي مختلف مناطق لبنان الأخرى». ليعزّز بيضون رأيه بكون هذه المولّدات «ليست من ضمن المنشآت التي نصّ القانون 198 على وجوب استردادها من امتياز شركة كهرباء زحلة سابقاً، من دون أن يتحقّق ذلك حتّى الآن».
الثغرات القانونية
في المقابل يشكّل عدم استرداد المنشآت التابعة لمؤسّسة كهرباء لبنان، إحدى الثغرات القانونية التي ستواجه إطلاق المناقصة لتلزيم شركة كهرباء زحلة إلى مشغّل جديد، خصوصاً أنّ مؤسّسة كهرباء لبنان لم تبادر لتطبيق هذا الموجب القانوني، على رغم تشكيل لجنة لاستكمال عملية استلام منشآت امتياز زحلة سابقاً منذ سنة 2021، من دون أن تتبيّن الأسباب الحقيقية التي تحول دون ذلك. وقد حمّلت هيئة الشراء العام مسؤولية هذا الأمر لمؤسّسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة.
ولكن هذه الملاحظة ليست الوحيدة التي تشوب إجراء المناقصة التي باتت مسألة ملحّة حالياً. بل تحمّل هيئة الشراء العام مؤسّسة كهرباء لبنان أيضاً مسؤولية عدم إجراء دراسة للأثر البيئي سابقة لإطلاق المناقصة وفقاً للمرسوم 8633/2013. علماً أنّه خلال البحث بهذه النقطة مع الخبراء، حبّذت مؤسسة كهرباء لبنان على وضعها كموجب على عاتق من يربح المناقصة. إلّا أنّ هذا الإجراء غير قانوني ولا عملي وفقاً للمصادر في هيئة الشراء العام، ولكنّها لا تريد أن يتحوّل عائقاً أمام المناقصة، خصوصاً أنّ أي دراسة للأثر البيئي ستحتاج الى مهلة ثلاثة أشهر على أقلّ تقدير. علماً أنّ القناعة السائدة من خلال التجارب السابقة بأنّ دراسة الأثر البيئي ليست من ضمن ثقافة السلطات الرسمية عموماً.
لتبقى إشكالية أخيرة تتعلّق بمهلة الإلتزام التي حدّدها دفتر الشروط بخمس سنوات آيلة للتمديد لمدّة سنتين. وهذه المدّة بحسب مصادر هيئة الشراء العام «تشكّل إمتيازاً وفقاً لأحكام المادة 89 من الدستور. وبالتالي لا يمكن إعطاء هذا الإمتياز في العقد، من دون صدور قانون عن مجلس النوّاب، خصوصاً أنّ القانون 198 أوجب إجراء مناقصة من دون تحديد مدّة الإلتزام اللاحق».
إيجابيات المناقصة
تشرح مصادر مطلعة على الملفّ في المقابل، الإيجابيات التي سيحقّقها إجراء المناقصة لجهة تأمين المنافسة التي تحقّق مصلحة المواطن أولاً. وتقول إنّ من أبرز بنود دفتر الشروط إلزام المستثمر الذي سيربح تشغيل القطاع للمرحلة المقبلة، بإصدار الفاتورة الشهرية بالعملة اللبنانية حصراً، خلافاً لما تفعله شركة كهرباء زحلة بالنسبة لتغذية مولّداتها حالياً، على أن تظهر الفاتورة بشكل مفصّل أيضاً، كمّية التغذية التي توفرها مؤسسة كهرباء لبنان وتلك التي توفّرها الشركة الخاصة، والتي ينصّ دفتر الشروط على أن يكون سعرها أقلّ بـ11 بالمئة على الأقلّ من السعر الذي تضعه وزارة الطاقة للمولّدات الخاصة.
ومن هنا إرتأت مصادر هيئة الشراء العام أنّه لا يجوز التذرّع بالمخالفات السابقة لتعطيل المناقصة. فدفتر الشروط الموضوع بحسبها، يؤمّن المنافسة إلى حدّ كبير، سواء أربح المشغّل الحالي أم سواه. وبالتالي لا سبب للإبطاء وعدم إطلاق المناقصة. ومن هنا تعرب المصادر عن خشيتها من أن يكون الطلب غير المبرّر لتمديد عقد شركة كهرباء زحلة مجدّداً، مقدّمة لإخراج فتوى من مكان معيّن، تبقي الحال على ما هو عليه، وخصوصاً في ظل واقع المؤسسات المشلولة، والمرتهنة بقراراتها لسلطات سياسية.