السؤال حول النجاح الذي حققته الاحزاب المسيحية يصعب الجواب عليه في الوقت الراهن بحسب اوساط سياسية اذا تم قياس ما حققه التفاهم بين القوات والتيار الوطني الحر وحدهما او في احتساب ما جرى في افتراقهما، الا ان النتيجة واحدة في الحالتين فالاحزاب المسيحية المتمثلة أولا بتحالف معراب والرابية استطاعت ان تحقق انتصارات بلدية في مناطق في حين عجزت عنهما في مناطق اخرى، فالمعارك الانتخابية خضعت لحسابات معينة ولتداخل عوامل عائلية وانتخابية وخصوصيات اخرى بحسب مصادر مسيحية، مما وزع النجاح وشتته في اكثر من اتجاه خصوصاً ان الاحزاب نفسها بدت غير قادرة على ضبط بيتها الداخلي في بعض المحطات، نظراً لضراوة المعركة الانتخابية في البلدات اللبنانية. الا ان الخلاف والافتراق الانتخابي بحسب الاصوات والمواجهة التي وقعت بين التيار والقوات كان لها حسناتها وايجابياتها كما سلبيتها، فالافتراق اظهر احجام الاحزاب المسيحية في البلديات التي خاضتها خارج تفاهم معراب، فالقوات وحدها تمكنت من اكتساح بلديات ايضاً لم تكن في اجندتها والامر نفسه يصح على التيار الوطني، خصوصاً بعد الانتصار المدوي للرابية مع الكتائب في بلدية جونيه، وفي بلدية الحدت ضد القوات وحلفائها.
ولعل ابرز ما في الجولتين الانتخابيتين لا يكمن وفق المصادر باحصاء ارقام الرابحين ولا الخاسرين ولا في سقوط لاعبين وخروجهم من حلبة المنافسين الاقوياء بلدياً او سطوع نجم آخرين وحصدهم المجالس البلدية، انما ابرز ما يمكن استخلاصه يتمثل في ما حققه تحالف القوات والتيار الوطني الحر من انتصار في بعض المناطق واقفال البيوت السياسية التقليدية بلدياً. في الجولة الاولى حمل الفوز في زحلة معاني كثيرة، فانتخابات زحلة اراحت كاهل سمير جعجع وأنزلت عن عون «الحمل الثقيل» الذي وضعه على كتفيه يوم صافح سمير جعجع قبل بضعة اشهر منهياً تاريخاً من العداوة والخلاف السياسي الى غير رجعة، ومعركة زحلة ابعد من الاستحقاق البلدي تضيف المصادر، لانها اتخذت من لحظاتها الاولى الطابع السياسي ووضع كل من الجنرال والحكيم اولوياتهما من اجل الاستحقاق بعدما بدت المعركة معركة تحديد الاحجام والاوزان.
فتفاهم معراب نجح في تخطي الاختبار الجدي والعملي الاول وحيث يصح القول ان التفاهم في زحلة برز بابهى حلته بحسب المصادر، وتجاوز كل المطبات ولم يعد التفاهم على المحك، الا ان تجربة زحلة لم تعمم على سائر المناطق التي لم تشهد تكراراً لسيناريو الجولة الاولى فاتت الانتخابات بنسخة مختلفة. فثنائية القوات والتيار سقطت في جبل لبنان ولكنها تمكنت من تحقيق اختراقات في الكثير من البلدات. اما معاً وحتى بالخلاف الانتخابي، فالعونيون اكتسحوا بلديتي الحدت وجونيه في انتصارات شبه ذاتية او بتحالفات ضد تكتل قوى سياسية وتكتلات كبيرة، فيما القوات سجلت فوزاً في بلدات تقاربها اهمية في مناطق نفوذها في الشوف وبلدات كانت عاصية عليها في الاستحقاقات السابقة، وبالتالي بالنتيجة فان الفريقين اعتمدا سيناريو وتكتيكاً يقوم على المنحى الالغائي للآخرين من القوى المسيحية.
الغوص في ارقام الجولتين الانتخابيتين كرس فوز الحزبين المسيحيين الاكثر تمثيلاً، وليس صحيحاً كما تقول المصادر انه هز تفاهم معراب او ان فوز هذا الفريق او ذاك سيلغي التفاهم او يؤثر عليه سلباً في السياسة وما يتعلق بتحصين الوضع المسيحي على اعتبار ان هذا التفاهم حمى الانتخابات وضبط ايقاعاتها ومنع المواجهات القاسية والصدامات، ثم ان ما يجوز على الاستحقاق البلدي لا ينطبق على الاستحقاقات الاخرى، فتفاهم معراب بقي محصناً رغم ان القوات والتيار الوطني تنافسا في بلديات شهدت ام المعارك، وفي بلدة الخنشارة حيث راعيا تفاهم معراب تنافسا في لائحتين قويتين وذات طابع عائلي وحزبي، واذا كانت الرسالة في انتخابات زحلة ان وحدة الاحزاب المسيحية قادرة على تحقيق المعجزات وعلى كسر نفوذ الاقطاع والمال، فالاحرى ان التجربة البلدية يمكن الاعتماد عليها بدون ان تكون كل شيء في مفتاح العلاقة بينهما، بحسب المصادر التي تقول ان هذا التفاهم الذي سقط في انتخابات جونيه بالتنافس القوي بين الفريقين لا يعني انه سيعمم على استحقاقات لاحقة ومنها فرصة فرض قانون انتخابات وتكرار التجربة البلدية في الاستحقاق الانتخابي وربما ايضاً تحقق الوحدة المسيحية معجزة انتخاب رئيس للجمهورية عندما تحين الظروف الاقليمية وعندما يثبت التفاهم نفسه مع مرور الوقت في البيئة المسيحية.
وبحسب المصادر فان انتخابات الاحدين الماضيين اسقطت كل محاولات تشويه صورة هذا التفاهم الذي روج له اخصام معراب والرابية بان التفاهم سيسقط عند المفترق البلدي او ما كان يروج عن عدم نجاح الاختبار المسيحي والشراكة بين عون وجعجع، وبان تلاقيهما لن يثمر بلدياً حيث سيبقى كل فريق على حاله اسير تحالفاته السابقة وانتماءاته الى محوري 8 و14 آذار، وان تنافسهما وخلافهما البلديين سيضيعان التفاهم الذي انجز قبل بضعة شهور مهما بلغت ضراوة المعارك التي خيضت.
المشهد المسيحي بين القوات والرابية بالتنافس والتفاهم الانتخابي بدا في الجولة الانتخابية معدلاً عن الجولة الاولى، لكنه بقي مقبولا ومغايراً عن السنوات الماضية رغم كل الشوائب فانتخابات جونيه بالنسبة الى الرابية رسمت طريقاً اخرى فرعية الى قصر بعبدا، وتفوق عون على محاولات احراجه رئاسياً واضعافه مسيحياً، وخلاصة القول ان التفاهم تجاوز حتى الآن القطوع الانتخابي ولم يسقط في زواريب الانتخابات.