من أسقطت “السوري” ستنتصر على “كورونا” والفاسدين… هنا زحلة الأبيّة!
هنا زحلة
هي أرض السلام. هي عنقود العنب، بيدِ السيدة العذراء، الذي تحوّل الى قطرات من النبيذ المقدس، هي سرٌّ من الأسرار، هي زحلة الأبية.
اليوم، في الثاني من نيسان، تحلّ الذكرى التاسعة والثلاثين على ذاك الجحيم الذي عاشته تلك “العروس البقاعية”، عاصمة الكثلكة في هذا الشرق البائس، على أيدي نظام القتل والحقد والإجرام، نظام البعث السوري. يومها تجلت مشهدية عنفوان اختلطت فيها دماء الشهداء الأبرار مع الإيمان الهائل بالتجذر والصمود والمواجهة والدفاع عن الأرض والثبات فاستحقّت زحلة أن تتوّج أرض الأبطال. لكن، ماذا عن تلك المقاومة اللبنانية الشرسة؟ ماذا عن هؤلاء المقاومين؟ هل ما زالوا في زمن تبعثرت فيه قيمٌ كثيرة “جبارين” في كلّ ما يتعلق بمبادئ وجودهم وصمودهم؟ هل انتفى سبب وجودهم الأوّل، سبب قيامة “المقاومة اللبنانية”، وباتت المقاومة اليوم إسلامية عمقها اليمن وأفغانستان والصومال والعراق وسوريا وحيث يشاء من يتحكم بمشيئة الدولة؟ وما دور زحلة، وأمثال زحلة، من مدن لبنانية مقاومة، في زمن كورونا والإقتصاد “المفلس” النازف؟ وهل علينا أن نغني اليوم، أكثر من أي يوم، لتلك المدينة الجبارة: “زحلة يا دار السلام التي فيكِ مربى الأسودي” قاومي بعد وبعد وبشراسة؟
تعود ذكرى “حرب زحلة”، التي شكّلت علامة فارقة في زمن الحرب وملحمة بطولة أمام جحافل النظام السوري، في وقتٍ هو الأصعب في تاريخ لبنان. تعود الذكرى كرسالة معبّرة أن الإنسان، حين يؤمن بنفسه وأرضه وقضيته، ينجح في اجتراح المعجزات. زحلة هي عبرة لكلِ الأجيال بأن الإنسان المصمم على الدفاع عن حضوره ومقدساته وحياته، قادر على مواجهة أعتى جيوش العالم وأي حشرة أو فيروس قد يتحدونه. وأن المدينة التي فيها أبطال كما زحلة قادرة على أن تحدد أمس واليوم والى أبد الآبدين “خطوطها الحمراء”.
يومها لم تحمل زحلة السلاح لحمل السلاح بل للدفاع عن الأرض والوجود والثوابت والتعددية والديموقراطية بعيد تفكك الدولة وعدم قدرتها على حماية الأرض والعِرض. السلاح لم يكن غاية للزحلاويين بل وسيلة. فالأمر مختلف تماماً بين مقاومة الزحلاويين اللبنانية والمقاومة الإسلامية المتمثلة بـ”حزب االله” اليوم. فسلاح “حزب الله” أبعد بكثير من مساحة لبنان بينما سلاح زحلة والمقاومة اللبنانية كانت حدوده الـ 10452 كيلومتراً مربعاً. الفارق جوهري. وشهيد زحلة إستشهد للبنان ومن أجل الإنسان في لبنان لا من أجل اليمن والصومال وأفغانستان. لهؤلاء، لأهل تلك الدول كل الحق في الدفاع عن حقوقهم لكن ليس لبنان هو من يدافع عن حقوقهم.
الزحلاويون الذين رزحوا طوال ثلاثة أشهر، بين أواخر كانون الأول وبدايات نيسان، تحت نير القذائف والراجمات السورية رفضوا مقولة “أمن البقاع من أمن سوريا”. صحيح أن شباباً إستشهدوا ودماراً حلّ وكثيراً من دموع الأمهات انهمرت غير أنهم قرروا يومها الصمود. وها هم يقرّرون اليوم أيضا الصمود. فماذا عن أوجه الشبه بين الأمس واليوم؟
هي صدفة ٌأن يلفظ عبد الحليم خدام، الذي حاك القطب والتفاصيل المؤلمة الكثيرة في لبنان، العمر قبل أقل من عشرين ساعة على ذكرى حرب زحلة. والزحلاويون أكثر من يعرفون أن المقاومة ليست يوماً أو يومين ولا شهراً أو اثنين ولا عقداً أو عقدين بل هي نبراس في نفس كلّ من اعتاد ألّا ينحني. مقاومة الزحلاويين موجودة في كل الأيام والظروف لكنها تأخذ اليوم شكلاً آخر. المقاومة اليوم صحيّة إصلاحيّة سياسية مالية. لهذا تعتبر الذكرى اليوم في توقيتها، بحسب متابع، بمثابة رسالة صمود جديدة ليس في وجه الغزاة السوريين بل في مواجهة الأزمة الصحيّة اللبنانية – العالمية والمالية الإقتصادية المحلية. المقاومة اللبنانية اليوم هي في مواجهة الهجرة التي تعتبرها الأخطر لأنها تضرب كل التوازن الديموغرافي وفلسفة لبنان الميثاقية. زحلة ستُجدد اليوم صمودها وقرارها المواجهة، أن تواجه بالإيمان بأن لبنان، الذي استشهد من أجله كثير كثير من المقاومين اللبنانيين، سيبقى وطناً سيداً حراً مستقلاً.
حرب زحلة التي أريد منها تحقيق مآرب النظام السوري، عبر مخدومين لديه بينهم عبد الحليم خدام قاومت يوم “دقّ النفير”، وهي استعدّت اليوم للمواجهة من جديد، لا بالسلاح لأن “السيف يُحرّض على العنف” بل بإصرار المقاومة اللبنانية على بناء مداميك الدولة اللبنانية، السيّدة، القادرة على الإمساك بشفافية بالقرارات الإستراتيجية المالية والسياسية والصحية والعسكرية باسم الإنسان “ولا شيء يعلو على الإنسان”.
زحلة تحيي اليوم ذكرى مقاومة تكاد تبلغ الأربعين عاماً لكنها ستبقى بالنسبة الى الزحلاويين تلك الحالة التي يفترض أن تبقى راسخة حاضرة في الذهن وفي القلب لأن الإنسان بلا مقاومة، حدودها لبنان الـ 10452 كيلومترا، سيخسر. هذا ما أوصى به “البشير” و”لا أحد يُهزم ما دام مقاوماً”.