يُفترض أن يشمل طلب الجيش من أهالي بلدة القاع «عدم حمل السلاح غير المرخّص بشكل فوضوي وغير منظّم ومنع الظهور المسلح في الشوارع» النائب انطوان زهرا حامل السلاح إلى جانب «القاعيين» بعد تسلّل الأحزمة الناسفة إلى عمق البلدة المسيحية الحدودية. طلب الجيش منطقي ومطلوب، لكن الأحداث تجاوزته، وأداء الحكومة سمح بشرعنة «السلاح بيد الجميع»..
انتهت الحرب وعاد زهرا الى ساحة معركة من نوع آخر حمل فيها كل مستلزمات عدّة المواجهة السياسية ضد «حزب الله» وصولاً الى «إعلان الحرب» على «الحرس الثوري الإيراني» الذي تراءى له أنه سيغزو لبنان عبر جرود البترون. لكن الظروف شاءت أن يطلّ زهرا من جرود القاع وليس جرود بلدته الشماليةّ مع اختلاف في هوية المعتدي!
ابن كفيفان، مسؤول الاستطلاع السابق في الشمال في «القوات اللبنانية»، استعار سلاحاً من «الرفاق» وسهر حتى الفجر حارساً حدود الضيعة التي خبرت منذ نحو ثلاث سنوات مع جاراتها في البلدات المجاورة الأمن الذاتي.
وكما استدرك سمير جعجع خطأه اللفظي الفادح بتحييد القاع بداية من هجمات الانتحاريين، كان على زهرا أن يضع خلف ظهره كل المنظومة «القواتية» المشيْطنة للامن الذاتي من الضاحية وصولاً الى القرى الحدودية.
ليست المرة الأولى التي يخطئ فيها «الحكيم» في قراءة الوقائع. من يذكر 5 شباط 2006 يوم دافع جعجع بداية عن مهاجمي السفارة الدنماركية، مؤكداً أنه لم يحصل اي اعتداء على الكنائس في الأشرفية وجوارها، وبأن ليس التكسير والتخريب والإساءة الى الرموز الدينية هو هدف التظاهرة. غير أن حجر «غزوة الاشرفية» كبر الى الحدّ الذي دفع كل «قوى 14 آذار» لاحقاً، للتنصّل من خطاب جعجع التبريري.
سبق لرئيس حزب «القوات» أن وصف تنظيم «داعش» بـ «الورم السرطاني»، لكنه طمأن الى أنه «ما زال محصوراً وبالتالي قابلاً للاستئصال بسرعة إذا تضافرت الجهود والإرادات»، مستدركاً قبل نحو عامين أن هذه الجهود تضافرت فعلاً من خلال التحالف الدولي لمواجهة «داعش»!
قاد هذا الاطمئنان جعجع آنذاك الى ان يذهب بعيداً في رفض كل مشاريع الأمن الذاتي، معتبراً ان تشجيعها والدعوة إلى التسلّح تحت مسمّيات وذرائع مختلفة هو «محاولة لاستكمال ضرب المؤسسات وركائز الدولة».
مع ذلك كان جعجع صريحاً حلال إحيائه ذكرى «شهداء المقاومة اللبنانية» في معراب عام 2014 «بأننا لن نتردّد لحظة واحدة في التصدّي لكل من يتخطّى الدولة بقوة السلاح، أكان اسمه داعش أو أي شيء آخر. وإذا اضطررنا، فسنقاتل كي لا نسقط».
لم يكذّب زهرا خبراً. قصد القاع مع عدد من مرافقيه وتقصّد بسلاحه محاكاة الكاميرات التي رصدته بابتسامته العريضة إلى جانب شباب «قواتيين» بكامل جهوزيتهم للدفاع عن «قاعهم». يفترض أن عدداً من هؤلاء قد صارحه بما يعرفه زهرا سلفاً ولا يجاهر به. «الثلاثية» الخشبية، ما غيرها، هي التي أحبطت عملياً المخطط الكبير لهذه البلدة المسيحية وزميلاتها القابعة على خط الزلزال السوري بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية التي تغلي بالتكفيريين.
حمل زهرا السلاح تماماً كما حمله منذ سنوات أهالي الشريط المسيحي في قرى بعلبك والبقاع الشمالي يوم قرّروا التسلّح، لأن الدولة مستقيلة من مهامها، وتماماً كما السلاح الذي يحمله عناصر «حزب الله» في نقاط متقدّمة جداً في المناطق الجردية.
يومان الى جانب «الحرّاس الذين لا ينعسون». لن يسأل زهرا بطبيعة الحال من يحمل سلاحاً شرعياً مرخّصاً ومن امتشق السلاح، لأن غريزة البقاء والدفاع عن الارض أقوى من كل التراخيص. المهم أن نائب البترون يرى ان هناك ثغراً أمنية يجدر سدّها مع تسليم كامل بالبقاء تحت سلطة الشرعية وتوجيهات الجيش.
قمة الخبث السياسي في تخيّل زهرا حاملاً سلاحاً مصدره «حزب الله» نفسه الذي دخل منذ سنوات على خط التنسيق المباشر مع أهالي القرى الحدودية المسيحية في بعلبك الهرمل وزوّدهم بعدّة الدفاع عن النفس.
تخطّى زهرا حليفه القسري جبران باسيل الذي «يقاوم بالكلمة» وكذلك شامل روكز الذي زار القاع «ليأخذ المعنويات من أهلها» وإيلي ماروني الذي حذّرنا ان المطلوب تهجير أهل القاع، وأميل رحمة المبشّر الدائم بالثلاثية الذهبية. لا أحد يعلم إلى أي متى سيبقى السلاح «صاحياً» بيد زهرا. لكن التطمينات «بأن الحراس ما بينعسوا» تأتي من معراب، وتحديداً من مسوؤلة الإعلام في «القوات» انطوانيت جعجع التي خاضت حملة «النائب المقاوم» على صفحتها الفايسبوكية مع تذكير «بأننا في أيام السلم نحن نواب وبوقت الخطر قوات»!
لننتظر هل يحمل سامي الجميل «ناظوره» و«جهازه» ليتلحق بجبهة المدافعين عن القاع؟.