استعجلت طهران بالبناء على الموقف الأوروبي المبدئي المتمسك بالاتفاق النووي. وأساءت تفسيره وإخراجه من سياقة المحدّد، وصولاً الى افتراض وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنّه «لم يعد هناك أحد في العالم يثق بالإدارة الأميركية».
لكن.. سرعان ما جاء بعض «التوضيح»، ومن قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عبر الإعلان المشترك عن اتفاقهما «على ضرورة وقف نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار» في منطقة الشرق الأوسط.
و«التوضيح» فصيح. دقيق ومباشر. وكان لا بدّ منه لسببين. الأول لمنع إيران من الاستطراد أكثر فأكثر وعلى هواها في قراءة التمايز الذي ظهر مع إدارة الرئيس دونالد ترامب في شأن الاتفاق، والذي سبق أن عبّرت عنه أساساً ومن دون تأخير، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، ثم الترويكا الألمانية – البريطانية – الفرنسية. والثاني المقابل، لتأكيد وحدة الموقف الغربي من السياسات الإيرانية «الصاروخية» والخارجية المتصلة بسلوكها التخريبي في المنطقة المحيطة بها.
أي أن التمسك بالاتفاق من قبل الأوروبيين لا يعني الثقة بإيران وسلوكياتها العامة، مثلما لا يعني انعدام تلك الثقة بالأميركيين على ما ذهب إليه الوزير ظريف! بل الواقع هو أنّ جذر السعي إلى الوصول إلى تلك الخلاصة السياسية الديبلوماسية لقضية محاولة طهران امتلاك سلاح الدمار الشامل، يدلّ في أول المطاف وآخره، على أن «المجتمع الدولي» برموزه الأبرز، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، يعتبر النظام الإيراني «غير موثوق» ولا يمكن تحمّل وصوله إلى التحكم بالزرّ النووي!
ومن بين تلك الدول، الصين وروسيا!
وليس أمراً عابراً أن تكون إيران «النووية» موضع رفض جماعي إقليمي – دولي عزّ نظيره إزاء قضايا أخرى، كبيرة وخطيرة وأساسية، برغم أنّها (إيران) تحاول تفادي الإشارة إلى ذلك راهناً، من خلال تصوير المشكلة وكأنها مع الإدارة الأميركية وحدها! بل مع رئيسها تحديداً. ثمّ تحوير فحوى الموقف الأميركي باتجاه مضاد لمقاصده: واشنطن لم تصدّق على الاتفاق لكنها لم تلغه. وربطت (منطقيّاً) بين سلوك إيران إزاء تفاصيله، وسلوكها السياسي الخارجي إزاء جوارها في الإجمال. وأعلنت (بصخب!) عدم الفصل بين الشأنين، طالما أنّهما نتاج «إدارة» إيرانية واحدة ومركزية!
المعضلة أن إيران استمرأت الازدواجية في الصغيرة والكبيرة.. خرجت إلى العالم الأوسع (بعد الاتفاق) بثياب «الدولة» التي تعرف أصول التعامل مع غيرها البعيد. لكنها خرجت على جوارها القريب بثياب «الثورة» المطلوب تصديرها! والتزمت الاتفاق الموقّع مع الدول الخمس زائد واحد بحذافيره، على ما أكد ذلك «جنرالات» البيت الأبيض، لكنها عملت على فصله عن سلوكياتها العامة، وكأنّ لا علاقة لها بروحه التسووية والبنّاءة! وهي الآن، على النسق ذاته تحاول أن تبني على ما تفترضه إزدواجية غربية في شأن الموقف منها بعد المنهجية الجديدة التي أطلقها ترامب يوم الجمعة الماضي!
المعضلة تكمن في سلوكيات إيران الكلّية وليس في عنوان واحد من عناوين تلك السلوكيات.. وفي ذلك يعرف تماماً الوزير «الظريف»، أنّ «الثقة» الخارجية ببلاده تقارب الصفر المكعّب! أم ماذا!؟