IMLebanon

مقال ظريف!

من يقرأ مقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في «نيويورك تايمز» يظن بأن السعودية هي التي تدكّ مدن إيران وحواضرها بالنيران والميليشيات المذهبية! وهي التي تدّعي أن حدودها صارت عند بحر قزوين وعلى تخوم أفغانستان وباكستان! وهي التي تتشاوف بامتداد شعاعها الثوري إلى مساحات إقليمية واسعة ثم تضع ذلك كله في إطار الحزام الذي منع نيران الجوار من التمدد إلى الداخل.. السعودي!

ومن يقرأ المقال يظن أن السعودية هي التي تنشر ثقافة «الولي الفقيه»! وهي التي تُوجد الازدواجية بين الشرعية والشارع في كل مكان تحط يدها فيه، أو يمكنها أن تصل إليه، فتكسر المؤسسات السلطوية بكل طريقة ممكنة ثم تفرّخ قوى مسلحة موازية وتروح تروّج لها باعتبارها صنو الاستقرار الذي لا تستقيم طواعجه سوى بالكلام المباشر مع السعوديين أنفسهم!

مقال ناظر الديبلوماسية الإيرانية يليق بهواة آتين حديثاً من عوالم الاستبداد أكثر من كونه نتاج رجل يعرف العالم ويعرفه العالم.. والأكثر غرابة فيه هو أنه يحاول أن يستدرج «الشيطان الأكبر» إلى جانبه! ويعود إليه عودة الابن الضال الذي تاه على مدى ثلاثة عقود في بحور أوهامه المتحررة من ثنائية الشرق والغرب! وفي شعاراته التي جعلت من الولايات المتحدة «العدو الأول للمسلمين»! والهدف الأسمى لكل «جهاد المستضعفين في الأرض»!

لا يأبه السيد ظريف للتاريخ ولا لشواهده الحديثة (جداً) ولا يتوقف قليلاً أو كثيراً عند كون مقاله الموجّه أساساً إلى صنّاع القرار والنخب السياسية والإعلامية في «امبراطورية الشر» لتحريضهم أكثر فأكثر ضد السعودية وقيمها وسياستها، يتخطى وقائع لا تُجادَل تقول في أول الكلام وآخره أن انتحاريي السيارات والشاحنات المفخخة الذين استهدفوا السفارات والمواقع الأميركية والغربية كانوا هم الروّاد الذين ألهموا انتحاريي الطائرات المدنية، بعد سنوات وسنوات طويلة! وأن مسيرة خطف الرهائن الأجانب إنما انطلقت من وحي المجاهدين الأوائل في «الثورة الإيرانية».. وأن وضع بند الإرهاب في جدول أعمال الدول لم يأخذ مداه وعلنيته مثلما أخذه مع الدولة الإيرانية.. وغير ذلك الكثير مما يصعب حصره وإن كانت العودة إليه سهلة في كل حين، خصوصاً في هذه الفترة من التاريخ والتي تتميز بخاصية وصول تأثيرات التنوير الإيراني إلى ذروتها، في البيت الأبيض الأميركي تحديداً!

نسي الوزير الإيراني أن يشير، من باب التثقيف ليس إلاّ، إلى أنه يتهم السعودية بكل شيء قامت به بلاده! ويضع الضحية في مكان المرتكب! مثلما نسي أي إشارة، في سياق دعوته السعودية إلى الاختيار بين ما سماه «استمرار تأييد المتطرفين(…) أو لعب دور بنّاء يشجّع الاستقرار في المنطقة».. إلخ، إلى وجود فيالق من بلاده تبحث عن «تحرير» القدس من حلب! وإلى أن العالم برمته لا يزال يسأل: من الذي يعبّر فعلياً عن سياسة إيران، ظريف أم الجنرال سليماني؟ أم أنه لم يعد هناك أي فارق يُذكر بين الرجلين؟