IMLebanon

ظريف في تركيا!

يذهب الإيرانيون إلى التفتيش عن مصالحهم مع الأتراك والروس والأوروبيين والأميركيين.. لكنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك مع جيرانهم العرب والمسلمين، الأقرب إليهم في الجغرافيا والدين والمصالح، وكل مشتقات تلك الأقانيم!

وذلك يُغري بالإصرار على وصف سياسة إيران الخارجية بالغرابة والشطط.. وتغليب نوازع الغريزة على أحكام العقل، والتاريخ على الحاضر، والهوامش الاختلافية على الأصول الجامعة، والعداء المُكلف على الواقعية المربحة.

بل الأغرب من ذلك، هو أن القيادة الإيرانية، ومنذ وصول المفاوضات النووية مع الأميركيين والدول الخمس الكبرى، إلى نقطة انعطافية نحو نجاحها، أخذوا يرفعون من وتيرة التوتر مع المحيط القريب، ومع دول الخليج العربي، وفي المواقع المتفجرة، في العراق وسوريا تحديداً، وإرفاق ذلك برسائل سياسية مباشرة وأخرى من خلال تسريبات إعلامية بالتوازي مع رسائل «ميدانية» تكفّلت صور قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، في مواقع القتال وبالقرب منها، بتعميمها.. وهذه في جملتها تقول بوضوح شديد، إن القيادة الإيرانية ترى في نفسها، وفي مشروعها، قيادة أكبر وأوسع من نطاقها الجغرافي الكياني، وفي إيران دولة محورية أكبر من «كل» دول محيطها، وأن خروجها من حالة المواجهة مع العالم الخارجي يعزّز من جموحها نحو «العالم الداخلي»، ويزيدها إصراراً على توجهاتها وسعيها إلى مراتب الكبار.. وإلى تصفية «حساب قديم» مع الأكثرية العربية الإسلامية!

كثر لاحظوا ذلك المسار المزدوج الذي اعتمدته إيران، والذي كان في حقيقة الأمر أحد أسباب توجّس الجوار العربي من «اتفاق» مُبهم، أو ناقص، بينها وبين المجتمع الدولي.. بحيث إن غياب الضوابط العامة، العقابية، في الدرجة الأولى، لن يكون لصالح الاستقرار في المنطقة العربية.. وكان هؤلاء محقّين في توجّسهم تماماً، لأن إيران في مكان آخر! ولأن قيادتها لم تخفِ نوازعها الخارجية.. واستمرت (ولا تزال) في اعتماد أداء مدمّر، فيما هي تفترضه منتجاً! وصحياً! وملائماً! وتستطيع من خلاله تعويض بعض ما خسرته من جرّاء طموحاتها النووية وغير النووية!

في غرابة ذلك الأداء، أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يتغنى في أنقرة بعلاقات بلاده الجيدة مع تركيا، ومع روسيا، وبـ«الأخوة» التي تجمع الشعبين التركي والإيراني، ثم يعبّر عن سعادته وفرحه بـ«التقارب» التركي الروسي.. لكنه قبل يوم من ذلك كان يهاجم السعودية ويكيل لها اتهامات لا تركب على قوس قزح! وفي موازاة ذلك، يستمر عمال «إمبراطوريته» في نواحينا، في ضخّ وإطلاق مواقف استفزازية وتوتيرية وفتنوية في حق المملكة وكل الجوار العربي.

وفي غرابة ذلك الأداء، أن إيران تبحث عن «مصالحها» في موسكو وأنقرة ولندن وباريس وواشنطن وبكين.. إلخ، ولا تستطيع أن ترى تلك «المصالح» مع العرب والمسلمين «الآخرين»! لا في الرياض، ولا في المنامة، ولا في الكويت، ولا في بغداد، ولا في دمشق، ولا في بيروت! أي أنها، بكلام آخر، تستسلم أمام الأقوياء، وتستقوي أمام من تراهم ضعفاء! وفي ذلك ذروة الغرابة وقصر النظر، خصوصاً وأنها تلمس لمس اليد عبثية ذلك الأداء وأثمانه الفادحة (عليها وعلى غيرها!)، عدا عن استحالة وصولها إلى ما تريد تبعاً لاكتشافها، يوماً تلو آخر، أن هؤلاء «الضعفاء» أقوى بكثير مما تظن!