IMLebanon

مَهمَّة ظريف: نربح لبنان إذا خسرنا سوريا

 

لم تعد إيران هي نفسها في سوريا. وأيّاً يكن اتّجاهُ الأحداث هناك، فطهران لن تتمكّن من التفرُّد بنظام الرئيس بشّار الأسد وجعْلِه جزءاً من المنظومة التي تحرِّكها القيادة الإيرانية مباشرة، مروراً ببغداد ووصولاً إلى بيروت.

 

واقعياً، باتت دمشق قاعدة لموسكو بناءً على اتفاقات ثنائية مع الأسد وأخرى متعددة مع القوى الإقليمية والدولية، تسمح لفلاديمير بوتين بأن يمتلك اليدَ الطولى في التحضير لمستقبل سوريا. وطبعاً، في السياسة، لا شيءَ مجانياً. يأخذ بوتين في سوريا، لكنه يعطي في أماكن أخرى من الشرق الأوسط وأوروبا.

 

لا يريد الروس تصوير الأمر على أنه إقصاءٌ لطهران، وهم فعلاً لا يريدون إقصاءَها، بل ضبط حراكها. فهي حليفتهم الاستراتيجية في أيّ حال. وهم يحتاجون إليها في المواجهات العسكرية التي يخوضها النظام. فالحرب لم تنتهِ في سوريا. ولذلك، سيحافظون على أقصى درجات التعاون معها.

 

لكنّ الروس يلتزمون اتفاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول سوريا. وهذه الاتفاقات تقضي بإبعاد النفوذ الإيراني: الأميركيون يشترطون انسحاب إيران لينفِذوا انسحابهم، والإسرائيليون يريدون إبعاد إيران مسافةً كافية. ولا يمكن روسيا إلّا أن تلتزم تعهداتها. فعلى هذا الأساس هي تحظى بالتغطية الإقليمية والدولية هناك.

 

يعرف الإيرانيون هذه الحقائق. ولذلك، هم يشعرون بأنهم يبتلعون الكأس المرّة. ويزيد في المرارة أنهم دفعوا أثماناً غالية جداً في حروب العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وسواها. وليس «عادلاً» أن يخرجوا من اللعبة بخسارتهم للمشروع التوسّعي.

 

فانقطاع الجسر الإيراني في دمشق يعني أنّ حدود النفوذ الإيراني هي بغداد. وأما دمشق فقرارها الأول لدى موسكو. وثمّة مَن يعتقد أنّ بيروت لن تكون خارج دائرة القرار الأميركي. لكنّ الأميركيين قد يعقدون صفقات مع القوى المحلية، وهم غالباً يحبذون إدارة مشاريعهم من بُعد. والرئيس دونالد ترامب يبدو الأكثرَ اقتناعاً بهذه الفكرة. ولذلك هو يلوِّح بالانسحاب من سوريا، بعد ضمان الترتيبات.

 

بعض المتابعين لا يستغرب مسارعة طهران إلى إرسال وزير خارجيتها السياسي المحبوب في الغرب، إلى بيروت، قبل أن تبدأ الحكومة الجديدة تنفيذَ مشاريعها. فهو يريد استباقَ الآخرين في عرض المساعدة على لبنان الغارق في الأزمات حتى الاختناق والباحث عمَّن ينقِذه. ولذلك، هو رفع سقف الوعود إلى الأقصى، من الدواء والكهرباء إلى تسليح الجيش وسوى ذلك.

 

وطبيعي أن يكون الوزير الإيراني مرتاحاً في بيروت. فـ«حزب الله» وحلفاؤه باتوا يمسكون بقرار البلد تقريباً. وهو إذ يأتي إلى بيروت، يعتبر نفسَه «في بيته» حيث الجميع يستقبلونه في الأحضان.

 

لكنّ ظريف المحنّك «يعرف حدوده» في بيروت. والأصحّ، هو أنه يعرف حدودَ لبنان في الانفتاح على إيران، ولو كان حلفاؤه قد أصبحوا اليوم الأقوى في المؤسسات التي تتحكم بالقرار السيادي، من رئاسة الجمهورية إلى الوزارات الحسّاسة والمجلس النيابي.

 

ومع أنّ زيارة ظريف لم تنجح في ربط لبنان بالماكينة الإيرانية، اقتصادياً وعسكرياً، من خلال الاتفاقات التي يطرحها، فهي على الأقل شكّلت اختباراً للإيرانيين لكي يعرفوا مدى قدرتهم على خرق الجدار الأميركي والسعودي المضروب حول لبنان.

 

المتابعون يعتقدون أنّ مسعى إيران لتدعيم نفوذها في لبنان يرتبط عضوياً بتراجع نفوذها في سوريا. ويذكِّر هؤلاء بمقولة «أنّ إيران تريد أن تمسك بالقرار في بيروت في كل الحالات لتعوّض خسارتها إذا خسرت في سوريا، أو لتتوّج انتصارها إذا انتصرت في سوريا».

 

والأرجح أنّ أحداً لا يريد خروج إيران من اللعبة بخسائر كاملة. لكن هناك هوامش لا بدّ من التزامها. وسيحصل الإيرانيون- كسواهم من القوى الإقليمية- على جوائز ترضية في الشرق الأوسط. لكن ذلك سيرتبط بمدى انسجامهم مع الشروط الدولية والإقليمية. وفي أيّ حال، هم معروفون بـ«البراغماتية» وحياكة السجادة بصبر وهدوء.