فيما يشتد الضغط على حضور الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة عقب اغتيال اللواء قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، يبدو الروس الأكثر استفادة من الواقع المستجد، الذي من شأنه ان يضع «منافسيهم» في الاقليم أمام اختبارات صعبة.
بمعزل عن طبيعة النتائج الميدانية للردّ العسكري الايراني على استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، فانّ الاهم بالنسبة الى طهران وحلفائها يكمن في الأهمية أو الدلالة الاستراتيجية لهذا الردّ، الذي دشّن حرب استنزاف ضد القوات الاميركية، من المرجح ان تستمر حتى موعد الانتخابات الرئاسية، التي يُراد لدونالد ترامب ان يصلها منهكاً ومستنزفاً، بحيث يكون من الصعب عليه ربحها.
في هذه اللحظة الاقليمية المعقّدة، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، الأمر الذي فتح الباب على تأويلات واجتهادات عدة في تفسير هذه النقلة الروسية فوق رقعة الاقليم في هذا التوقيت السياسي.
يؤكّد السفير الروسي لدى بيروت الكسندر زاسبيكين لـ”الجمهورية”، انّ زيارة بوتين الاخيرة لدمشق انطوت على اهمية عالية، “خصوصاً انّها اتت بالترافق مع ظروف استثنائية تمرّ فيها المنطقة، سواء لجهة اغتيال اللواء قاسم سليماني او لجهة الوضع في سوريا”.
وكذلك يلفت الى انّها “تعكس متانة العلاقة بين روسيا وسوريا وبين الرئيسين بوتين والأسد، وهي أيضاً رسالة الى الجميع مفادها انّ هذا التحالف ثابت ويشكّل موقع قوة”. ويشير الى انّه جرى خلال لقاء بوتين- الاسد “التشديد على استكمال مكافحة الارهاب وتحصين الاوضاع الاقتصادية والانسانية في سوريا، وكذلك تمّت مراجعة للأحداث الاخيرة في المنطقة ولا سيما منها جريمة اغتيال قاسم سليماني ورفاقه”.
ويشدّد السفير الروسي على خطورة ما فعلته واشنطن. لافتاً الى انّه “يجب التوقف عند فداحة الاغتيال في حدّ ذاته وعدم محاولة تبريره أو ربطه بأي حدث آخر”.
ويضيف: “ينبغي التركيز على الجريمة التي وقعت باستهداف سليماني ورفاقه، وليس السعي الى ايجاد اسباب تخفيفية لها من قبيل تضخيم مسألة الهجوم على السفارة الاميركية في بغداد كما فعل الغربيون، علماً انّه من باب تحصيل الحاصل التأكيد أنّ مهاجمة السفارة لا تستحق رداً بحجم قتل سليماني والآخرين”.
ويؤكّد زاسبيكين انّ جريمة الاغتيال هي عمل مدان كلياً، “ونحن لا تعنينا الاعتبارات التي يتسلّح بها الاميركيون، فهذه مسؤوليتهم”. ويكشف انّ سليماني “كان صديقاً ورفيقاً لنا، وهو شخص فريد من نوعه، وكنا نحترمه كثيراً، وقد تعاونا معه في محاربة الارهاب، وتعرّضه للاغتيال مؤلم بالنسبة الينا”.
ويلاحظ زاسبيكين انّ الردّ الايراني على الاعتداء الاميركي كان مدروساً، “ونحن اساساً ضدّ إشعال الحروب، ونتمنى ان نكون قد تفادينا احتمال نشوب الحرب الآن، مع الاشارة الى أننا نعرف من المسؤول عن زيادة منسوب المخاطر، ونعرف أنّ الذي خرج من الاتفاق النووي وبادر الى تنفيذ عملية اغتيال سليماني والآخرين هو المتسبّب في تصاعد التوتر”.
ويقول، انّ بعض المواقف الغربية يحاول التصويب فقط على ايران واتهامها ببدء التصعيد، “في حين انّ واشنطن هي التي بادرت الى أمور تسبّبت في تفاقم التوتر، سواء عبر اجراءات سياسية، كالتفلّت من صفقة النووي، أو عبر أعمال ميدانية كالهجوم الاخير”.
ويعتبر زاسبيكين انّ الوجود الاميركي في المنطقة اصبح يواجه صعوبات اكبر بعد اغتيال سليماني وابو مهدي المهندس “وأنا لا أرى أي افق استراتيجي له، اذ انّ وجود الاميركيين في سوريا غير شرعي على الاطلاق ويجب أن يغادروها، أما في العراق فهم دخلوا اليه منذ البداية كقوة احتلال، والموقف الأخير لمجلس النواب العراقي يحمل دلالات بارزة”.
ويشير السفير الروسي الى أنّ من بين الأسباب الأساسية التي دفعت في اتجاه أن يصبح الخروج الاميركي من المنطقة مطروحاً بإلحاح الآن، هو أنّ دور الاميركيين في الشرق الاوسط سلبي في استمرار، “وبينما نسعى نحن الى إيجاد الحلول للأزمات يلجأون هم الى تعطيلها وعرقلتها”.
وحين يُسأل زاسبيكين عن رأيه في تأخّر تشكيل الحكومة اللبنانية على رغم من تعاظم التحدّيات الداخلية والخارجية، يجيب بديبلوماسية: “هذا شأن لبناني داخلي، وما يهمّنا هو انتظام نشاط المؤسسات الستورية وبالتالي تأليف الحكومة سريعاً، أما شكلها فيقرّره اللبنانيون”.