لعل ألكسندر زاسبيكين هو من أقرب السفراء الروس الذين توالوا في مهامهم في لبنان، قرباً الى العامة. يتحدث إليهم بـ»طلاقة» عربية دمثة مزيلاً الحواجز بين الديبلوماسي النشط والمهتمين بالشأن الروسي ليشرح دور موسكو في لبنان والمنطقة.
يمكن اعتبار المرحلة التي واكبها زاسبيكين في لبنان من أهم الفترات التي مرت فيها البلاد والمنطقة منذ زمن. وهو ينشط إعلاميا في شكل ملحوظ للدفاع عن موقف بلاده بتشدد الوطني الحامي لمصالح بلاده في الخارج.
وفي الإمكان تصنيف سفير روسيا الاتحادية في لبنان من «الصقور» حسب مواقفه في وجه السياسات الغربية، وتصريحاته الجادّة والصارخة التي يطلقها في وجه خصوم موسكو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، ومنها مثلا تحذيره ومن ثم كلامه عن سعي واشنطن لإثارة الفوضى في لبنان، وتحدثه مرارا عن إنهاء الأحادية الأميركية في العالم، وغيرها من مواقف في وجه من يرى أنه يعبث بأمن بلاده.
يعبّر عن رؤاه بدماثة لا يختصرها موقعه الديبلوماسي بل ربما تعود الى طبيعته الشخصية. وفي لقائه مع شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية الذي نظمه مركز «أفروديت» في مطعم «بليس هول»، لم يخرج زاسيبكين عن تلك الطبيعة، وإن تمكن كعادته من دفع حرج بعض الأسئلة الهامة عنه ويتعلق بعضها بسياسة بلاده العسكرية في سوريا.
تماسك الداخل ونجاح الخارج
إنطلق السفير الروسي من تماسك بلاده في الداخل الذي يشكل مفتاح نجاحها الخارجي وصمودها في وجه الغرب عموما وواشنطن خصوصا. تحدث طويلا عن الاصلاحات الداخلية والتعديلات الدستورية التي ستُقدم الى الشعب الروسي في ظل حكم الرئيس فلاديمير بوتين. وتوقف عند أهمية دور الأخير في حماية استمرارية الهيبة الروسية لكي لا تنتهي من بعده.
هي مرحلة نهوض شعبي تعيشها بلاده في ظل ارتفاع الوعي جاء بها بوتين بعد مرحلة زمنية فارقة بين سقوط الاتحاد السوفياتي ومن ثم نهوض روسيا. شرع الحكم الروسي في تطبيع الاوضاع أمنيا وسياسيا وإقتصاديا ثم جاءت مرحلة إعادة البناء بالتوازي بين العنصرين البشري والعسكري في عملية تحديث شاملة، يشرح الديبلوماسي الروسي.
وإذ يتوقف عند الهوية الاقتصادية لرئيس الوزراء الروسي الجديد ميخائيل ميشوستين و»تكنوقراطيته»، يُقر زاسيبكين بأن بعض الدول الغربية الأقل مساحة وديموغرافية من روسيا قد تخطتها من حيث الناتج القومي. لكنه يلفت الى أن بلاده تسير بخطى وثيقة لتطوير الصناعات المدنية لكي تنتشر في العالم، وقد تعززت صادراتها من الزراعة والصلب وغيرها لكي تضاف الى ثروتها الغازية وفي السلاح.
يتوقع زاسبيكين ولوج روسيا في مرحلة تطور وقفزة خلال ثلاث الى أربع سنوات مقبلة تأتي انعكاسا لتحصين الداخل، مع التأكيد على دور بلاده البناء والحواري خارجيا.
يخيّل الى المرء أنه يستمع الى أحد القادة الشيوعيين في زمن الحرب الباردة، وزاسبيكين، كغيره من الكثير من الروس، يحترم تلك الفترة ويتخذ منها الدروس من دون الدعوة الى العودة إليها. لا تريد روسيا الدخول في صيغة الأحلاف في مواجهة حلف «الناتو» «الذي يجب أن ينتهي»، بل يُذكر بأن بوتين قدم مبادرة استراتيجية حوارية في اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في ميونيخ، لمعالجة المشاكل الكبيرة في العالم في ظل انهيار اليوم للعلاقات الدولية.
والواقع أن المسؤولين الروس يطغى عليهم الشعور بالاستهداف الأميركي، ويصف زاسيبكين الاتهامات لبوتين بـ»الحقد» على الغرب بـ»التزوير» متهما الأخير بمحاولة محاصرة بلاده.
وقد شكلت المناسبة فرصة لطرح أسئلة حول واقع المنطقة وخاصة في سوريا في ظل الصراع الروسي التركي. وببراعة، تجاهل المسؤول الروسي أسئلة لا تفيد الاجابة عنها في هذه المرحلة الحساسة، لكنه شدد على التمسك بإتفاقي سوتشي وأستانة، وأكد على أهمية خفض التوتر في إدلب ومحيطها «برغم أن هناك مزاجاً تركياً مغايراً لهذا الأمر»، وفي ذلك انتقاد مبطن لأنقرة، مع الإعلان أن ما حصل أخيرا كان نتيجة «توسع المجموعات الارهابية وإستفزازاتها وسيبقى هدفنا القضاء عليها»، لافتا الى ان «الأطراف المعنية تعمل على هذا الصعيد».
وكانت مداخلات للمشاركين حول روسيا، ورأى رئيس الجمعية الدكتور أحمد الزين أن روسيا تنطلق بوجه جديد وخطوات جبارة نحو المستقبل.
واعتبر المستشار السياسي في السفارة الروسية ديميتري ليبديف أن الغرب لا يحاول فهم جوهر ما يحصل في روسيا، وتناول التدابير الجديدة في البلاد وأهميتها في التحديث، مستعرضا التاريخ الروسي الحديث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
وتناول الدكتور رضا شمس الدين نمو روسيا اليوم عبر قراءة اقتصادية، محددا حقبتي الانهيار السوفياتي ومن ثم ولادة روسيا العام 1999.
وتوقف رئيس «شبكة أمان» أنيس النقاش عند حفاظ بوتين على الفيدرالية ومنعه الانكفاء نحو السلافية في الوقت الذي عزز فيه تقدم بلاده نوويا ما حال دون ان يكون القرن الجديد أميركيا، واصفا بوتين بـ»أستاذ الجيو استراتيجا».
وأشاد النائب محمد خواجة ببراعة السياسة الروسية وخاصة الخارجية منها، مشددا على «تاريخية العلاقة التي تربطنا بروسيا». واعتبر أن الغرب لا يعارض ان تكون روسيا دولة كبيرة لكنه لا يريدها عظمى، متوقفا عند الخلل بين قوتي روسيا العسكرية والصناعية.
وشدد الدكتور عبد الرزاق اسماعيل على أهمية انعكاس الاصلاحات الداخلية على سياسة روسيا خارجيا، لافتا الى أن موسكو «أعادت التوازن المفقود وساعدت سوريا».
«أفروديت».. والتكريم
في الختام، لم يخرج زاسبيكين عن دعابته لدى تلقيه درعا تكريمية من قبل الزين مشيرا الى أن صورته على الدرع قديمة «وكنت أكثر سمنة فيها»، كما تسلم مسؤول العلاقات الاعلامية في «حزب الله» محمد عفيف درعا تكريمية أخرى.
أما عن ماهية جمعية «أفروديت» فيشرح الزين لـ»اللواء» أنها تأسست قبل فترة للوقاية من الرصاص الطائش. وفي دلالة الندوة، يشدد على أهميتها في الإضاءة على عملية الإصلاحات في روسيا وتأثيراتها في وجه محاولات الهيمنة الأميركية.