يعتقد ديبلوماسيون دوليون معنيون أن ايران تعتمد في اليمن استراتيجية مشابهة لتجربتها الناجحة نسبياً للحصول على نفوذ واسع في لبنان. ليس غريباً هذا التماثل بين تكتيكات “حزب الله” و”أنصار الله”. وقع ما وقع في ظل انصراف دول الخليج العربية الى معالجة تبايناتها، وفي “كبوة” من السعودية عن الأحداث الخطيرة التي تجري على حدودها.
يدرك أعضاء في مجلس الأمن أن الزلازل الراهنة أيقظت كل الأفاعي من سباتها. خلافاً لما كانت عليه الحال حتى الآونة الأخيرة، لم يكن ينظر الى اليمن بمنظور طائفي. “زيدية” الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم تكن مفتاحاً لـ”شيعية سياسية” في اليمن. “شافعية” الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي ليست هي سبب الاصطفاف في معسكر سنّي. الحسابات تغيّرت. لذلك يجد الإماميون فرصة للثأر من الماضي الذي نزع ولايتهم عن أرض كانت يوماً شاسعة، وكانت تضم حتى نجران وعسير. لم تكتفِ ايران باستراتيجية إعادة الزيديين، عبر مظالم الحوثيين المتحدرين من السادة الهاشميين الإماميين، الى الجبّة الشيعية. ثمة تساؤلات عن الأسباب التي تدفع طهران الى دعم النزعة الإنفصالية في الجنوب الذي يتألف صرفاً من الشافعيين. يوفر “حزب الله” الحماية والرعاية لثلاث محطات تلفزيونية يمنية، إحداها “عدن لايف” التابعة لنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض. هذه مشيئة ايرانية. الإنصاف يوجب الإقرار بأن عمليات شراء النفوذ بالجملة وبالمفرق جارية على قدم وساق عند باب المندب. ماذا يضير ايران لو صار عندها منفذ على البحر الأحمر، كما آلت حالها على البحر الأبيض المتوسط، وكما هي طبيعياً في الخليج؟
جلّ ما يهم الولايات المتحدة أن تبقى الحرب قائمة على الملاذات الآمنة للإرهاب في اليمن. خرج من هذا البلد رموز كبار للإرهاب الإسلامي المعاصر: أسامة بن لادن وأنور العولقي وغيرهما.
لم يتحرك الأميركيون حتى الآن على رغم تحذيرات المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون لشؤون اليمن جمال بن عمر أمام مجلس الأمن أخيراً من أن العملية السياسية الإنتقالية في هذا البلد “مهددة بالانهيار”. يتضح يوماً بعد يوم أن الوقائع على الأرض تجاوزت اتفاق السلم والشركة الوطنية وغيره من نتائج مؤتمر الحوار الوطني. ما توافقت عليه كل المكونات السياسية في اليمن حصل حين كان الحوثيون محصورين في صعدة النائية. يسيطرون الآن على مؤسسات الدولة في صنعاء، ويقضمون ما يتمكنون من قضمه جنوباً. ما كان يعد حتى أشهر قليلة قصة نجاح للمصالحة الداخلية تحوّل الآن كابوساً.
وجد علي عبد الله صالح طريقه الى الثأر. رأى الحوثيون أن التقسيمات التي أعدها بن عمر للمحافظات الفيديرالية لا تفيهم حقهم. لا منفذ فيها على البحر حتى من حجة، ولا موارد لديهم حتى من الجوف. عادت الزيدية الآن الى قلب الشمال بثوب الشيعية السياسية. غير أن أخشى ما يخشاه كثيرون أن يؤدي ذلك الى لجوء الآخرين الى الجماعات المتطرفة دفاعاً عن أهل السنّة، حتى لو جرى تحييد الجنوب بانفصاله.
هذه بعض تداعيات الطموحات الإيرانية.