IMLebanon

الزيدية السعودية – اليمنية مقلقة

طبعاً يشكِّل الإرهاب المتصاعد في اليمن والمنتقل منه إلى محيطه الخليجي مصدر قلق جدِّي وكبير للمملكة العربية السعودية. لكنه ليس المصدر الوحيد لقلقها. فهي تعرف أن ثورة الحوثيين فيه على الدولة والنظام هي عملياً ثورة شيعية وتحديداً ثورة الزيديين الشيعة في اليمن. وما تخشاه هو أن “تُعدِي” هذه الثورة أو بالأحرى أن تصل إلى الشيعة السعوديين المحاذية مناطقهم لليمن. وهم للمناسبة زيديون مثل “أشقائهم” اليمنيين الذين يؤمنون بأقل من الأئمة الاثني عشر الذين تؤمن بهم غالبية الشيعة في العالم، وخصوصاً في إيران والعراق ولبنان ودول أخرى. وفي هذا المجال يشير الباحثون الأميركيون الجديون أنفسهم إلى أن الحوثيين حاولوا، بعد تعرّضهم لقصف مدفعي كثيف ومؤذٍ ومدمِّر في شهر كانون الأول الماضي، التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. لكن هذه الأخيرة، وبعد تكرُّر القصف المدفعي الحوثي والردّ الحكومي عليه خلال السنوات القليلة الماضية، رفضت الاتفاق وتحديداً رفضت طلب الوقف غير المشروط لإطلاق النار الذي تقدَّم به الثوار الزيديون. وسبب الرفض كان، كما أوضحت الحكومة اليمنية، رفض هؤلاء التعهُّد بوضوح عدم مهاجمة السعودية، وعدم الإفادة من “زيدييها” في المعركة مع النظام اليمني وداعمه الاقليمي. وفي عام 2010 صارت المملكة العربية السعودية أكثر تورطاً في قمع ثورة الحوثيين، علماً أن الأخيرة بدأت عام 2004 وخلَّفت آلاف القتلى، وشرّدت نحو مئتي ألف مواطن يمني من بيوتهم وقراهم وبلداتهم. والمثير للسخرية وربما للتهكُّم هنا هو أن أحد المظاهر الاجتماعية في اليمن الذي يثير القلق السعودي هو انتشار “الوهابية” أو بالأحرى التفسيرات السلفية للإسلام في أوساط الشباب اليمني المقيم في المملكة السعودية.

هل حاولت الولايات المتحدة حلّ مشكلات اليمن وكيف؟

قدّمت إلى اليمن، يجيب الباحثون الجديون أنفسهم، مئة مليون دولار أميركي على الأقل على شكل مساعدات عسكرية. علماً أن القرار الأكثر حكمة أميركياً وفائدة للشعب اليمني كان يُفترض أن يُعالج مشكلاته الاقتصادية – الاجتماعية ولا سيما في ظل توقُّع المختصين العالميين نضوب نفط اليمن بعد سنتين، وفي ظل تصاعد نسبة اليمنيين العاطلين عن العمل بحيث بلغت أربعين في المئة. وهي قد تتضاعف في العام 2035 إذا بقيت نسبة المواليد في اليمن اليوم على حالها، وإذا بقيت أوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية على سوئها أو إذا تفاقم هذا السوء. وذلك هو المُرجَّح. علماً أن نسبة الشباب في الدول العربية مرتفعة عادة، إلا أنها في اليمن استثنائية في ارتفاعها، إذ أن أعمار نحو 45 في المئة من شعبه تحت الـ15 سنة. ويخلص هؤلاء إلى موقف شبه جازم يفيد أن الفرص المتضائلة وربما المعدومة لأي نمو إقتصادي، والنقص الحاد والغريب في المواد النفطية ومشكلات المياه الكثيرة، يفيد أن ذلك كله سيحوِّل أو ربما حوَّل اليمن قنبلة اجتماعية واقتصادية موقوتة. وفي الموضوع الأمني تقوم الولايات المتحدة منذ أيام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بضرب خلايا “القاعدة” في صورة منتظمة ولكن بواسطة الطائرات التي من دون طيار. وفي الموضوع السياسي حاولت بواسطة المملكة العربية السعودية إيصال “الربيع اليمني” إلى أهدافه. ومنها خلع صالح وإقامة نظام بديل يقوم على الحريات والديموقراطية، على استحالة ذلك، في بلد قبائلي ومذهبي وقابل للتفكُّك، ولا ينجح في حكمه إلاّ المستبدون والظالمون. وبدا أن المحاولة نجحت إذ استقال صالح غصباً عنه وانتُخب عبد ربه منصور هادي مكانه. لكن نجاحها كان جزئياً، كما كان واضحاً أنها ستفشل في مكان ما وتفتح الباب أمام حرب أهلية. فصالح “خُلِع” لكنه بقي في البلاد، وبقيت جماعته في مفاصل الدولة كلها ومنها الجيش، وبقي يعمل للعودة. والجنوبيون بدأوا المطالبة بالعودة إلى “ماضٍ سعيد” إذا ما قورن بحاضر اليمن الموحّد الذي لم يعش سوى التعاسة. و”القاعدة” وأمثالها ينتشرون في اليمن. إلا أن الأكثر أهمية وخطورة هو تحوُّل اليمن ساحة إضافية للصراع الاقليمي بين محور إيران الإسلامية وحلفائها ومحور السعودية وحلفائها، وللصراع الدولي بين أميركا وروسيا، وللصراع الدولي – الاقليمي المعروف. وفي وضع كهذا تتناقض مصالح الحلفاء داخل كل محور، ويتسبَّب ذلك بإطالة أمد الفوضى وبتحويلها حرباً أهلية لن يربح فيها أحد، وبتحوُّل اليمن دولة فاشلة إلى أمد طويل.