«ما بدنا ناكل سوشي بدنا ناكل منقوشة»، تردّد صوت المعتصمين في خليج الزيتونة على مسامع روّاد المكان ومستثمريه وأصحاب اليخوت الراسية في الخليج. الشعار، على بساطته، يختصر الهوّة الطبقيّة التي يراها المعتصمون بينهم وبين أصحاب المطاعم المطلّة على الرصيف البحري ومرتاديها. مشكلتهم المباشرة ليست مع أولئك، فالهدف «ليس إيذاء المطاعم، بل تحميل أصحابها مسؤوليّة استئجار مكان غير شرعي قائم على الملك العام، أما اليخوت فملّاكوها بمعظمهم من السياسيّين والزعماء ونرجّح أن تكون أيضاً من مالنا المسروق!». المعتصمون جاؤوا لـ«تحرير الزيتونِة كواحدة من الأملاك العامة المنهوبة»، هكذا بكسر النون، وليس «الزيتوناي باي» الاسم المروّج له من قبل مستثمري المكان. حتى الاسم أراد المعتصمون تحريره من «الطمس الممنهج لذاكرة بيروت مع الزيتونِة»، وفصله عن اسمه الأصلي «خليج مار جرجس».
الوقفة الاحتجاجية في الزيتونة أمس، نظّمت على الرصيف المطلّ على نادي اليخوت وكانت الثانية من نوعها في المكان نفسه في سياق الانتفاضة المستمرّة منذ 17 تشرين الأول الماضي. الوقفة تحوّلت من رمزيّة «خجولة» في ساعات بعد الظهر إلى تظاهرة حاشدة ليلاً. تبدّل المشهد بسبب الدعوات المتكرّرة التي وجّهتها المجموعة الصغيرة التي بدأت الوقفة، وبعد محاولة القوى الأمنية مساءً منع من أرادوا الانضمام إلى الوقفة عبر إقفال المسارب المؤدّية إلى الرصيف. المنع ولّد توافداً مستمراً للمتضامنين، انكفأت أمامه القوى الأمنية لتسمح لاحقاً لهم بالانضمام. الهدف الأساس تمثّل في «الضغط لاستعادة الأملاك البحريّة المنهوبة ومحاسبة كل من استفاد منها بشكل مباشر وغير مباشر وشرّع الاستيلاء عليها بأشكال غير قانونية». المحتجّون لم يوفّروا في هتافاتهم شركة «سوليدير» التي «استحوذت العقارات الناتجة من ردم مساحة تفوق 60 ألف متر مربع من الخليج، وتستثمر المرفأ مقابل 2500 ليرة للمتر المربّع». الهتافات طالت أيضاً الوزير السابق محمد الصفدي باعتباره «مالك الشركة التي تملك مع سوليدير، شركة «تطوير واجهة بيروت البحرية» التي حظيت بمراسيم استثنائية للقيام بالمنشآت المخالفة على الخليج». ةاستئجار «المتر المربّع الواحد من الدولة بـ2500 ليرة وإعادة تأجيره بآلاف الدولارت»، هي اللازمة التي يفسّر عبرها المعتصمون سبب وقفتهم. علماً أن المكتب الإعلامي للصفدي كان نفى في وقت سابق السعر المتداول للإيجار، متذرّعاً بأنه «لا يوجد أي عقد إيجار بين الدولة ومشروع الزيتونة باي وقد دفع المساهمون في الشركة صاحبة المشروع مبلغ 32 مليون دولار ثمن الأرض التي يقع عليها المشروع». بيان المكتب حاول «إقناع» المحتجّين بأن «مشروع الزيتونة باي لا يتعدى على الأملاك العامة البحرية كما يتمّ الترويج، إذ انّ واجهته البحرية مفتوحة أمام عامة الناس!»، وتنصّل المكتب من ملكيّة الصفدي لمعظم أسهم الشركة الشريكة لسوليدير بالمناصفة، موضحاً «أن ملكية المشروع تعود 50% إلى شركة سوليدير و50% أخرى إلى ثمانية مساهمين من بينهم الصفدي الذي يملك حصة لا تتعدى 17%».
محاولة تطويع وعي المتظاهرين لملكهم العام، صار «موضة قديمة» بالنسبة لهم، إذ إنهم اتّجهوا مساءً إلى اختيار عرض فيلم بعنوان «V for Vendetta» القائم على فكرة الانتقام وتغيير واقع الدولة. الابتكار في إيصال الرسالة بأنّ «الزيتونة» لهم، ويحقّ لهم دخولها بالأطعمة التي تناسب طبقاتهم، دفع المتظاهرين إلى إحضار علب من «بونجيس» الهرم و«بطاطا جحا»… ومن لا يعرف رمزيّة هذين المنتجين للفقراء.
أحضر المتظاهرون معهم علب من «بونجيس» الهرم و«بطاطا جحا»!
«هيلا هو… الزيتونة إلنا يا حلو»، قالها المعتصمون. «هذه إحدى بؤر فساد الدولة ونموذج وقح لبيعها الملك العام والبحر»، يوصّف أحد المعتصمين. الحلول واردة أيضاً «بدل فرض الضرائب على الناس، فلتبدأ الدولة باستعادة أموالها المنهوبة من هنا». لم يغب عن بال المحتجّين أن «قطع الطرق لم يعد يفيدنا، وبات يخلق شارعاً معارضاً لنا، لذلك قرّرنا التظاهر في ملكنا العام». حسن لا يريد السكوت بعد اليوم «عن الأملاك البحرية المسروقة منذ عقود، هون ما بيقعدوا إلاّ ولاد الزعماء والأغنياء… معي أو ما معي مصاري المكان لا يشبهني وقائم على سرقة مالي ومال الفقراء». ريشارد دعا المعتصمين إلى «اعتبار الفنادق المحيطة مكاناً عاماً يمكن الاستراحة فيه لأنها قائمة على أملاكنا!»، لكنّه استثنى فندق السان جورج «لأنه العقار الوحيد الشرعي، وضيّقوا عليه ليصبح ملكاً خاصاً». الرصيف الذي افترشه المعتصمون، فصل بينهم وبين اليخوت الباهظة والحياة المترفة عليها، وبين المطاعم الباهظة ووجبات «السوشي»… وهو الرصيف الذي يسأل ريشار عن «رقم عقاره… المكان الموجودون فيه ليس عقاراً وبلا رقم، نحن في قلب المياه الآن، هنا ردموا البحر، وهنا إيجار ركن اليخت في اليوم يفوق الألف دولار وقد يزيد عن معاش شهر كامل لأي من المحتجّين بيننا».
من ملف : فتح الطرقات… إغلاق المرافق العامة: حكومة بلا الحريري وباسيل؟