Site icon IMLebanon

التوجهات العنصرية العونية توقظ أشباح الحرب

 

الاعتداء على شباب طرابلس بكسروان «بوسطة عين رمانة» تجريبية

 

ماذا يعني قيام مناصرين لـ«التيار الوطني الحر» بالاعتداء على أبناء طرابلس «في كسروان» وتوجيه الشتائم للعزة الإلهية والتهجّم على الفيحاء قيمةً وموقعاً وحضوراً، ثم التعبير عن الإنغلاق باعتبار المنطقة المسيحية محرّمة على المسلمين.. وماذا يعني هذا الاعتداء الذي يطابق أسلوب النظام السوري شكلاً ومضموناً في هذه الفترة الدقيقة التي يعبرها لبنان، المثقل بالأعباء الاقتصادية والاجتماعية والمسكون بالهواجس الوجودية مع تقلّبات الدول واضطراب الحدود..؟؟

 

إنهم يعلمون ما يفعلون

 

هل ما فعله مرافقو زياد أسود وبعض مرافقي جبران باسيل كان مجرّد ردّة فعلٍ تلقائية على مجموعات من الشباب المقهور تطارد النواب المتخمين بالمال والطعام والوقاحة وسوء الأدب، أم أن هؤلاء الشبيحة يتصرّفون في سياق مؤسّسة تُخـَرِّجُ المنتسبين إليها على معيار «من زنـّاري ونزول» و«البلطجي» و«من لا يتحمّل المسيحيين فليغادر».. وإذا لم يعجبكم الوضع هاجروا؟!

 

لا يمكن اعتبار ما جرى من اعتداء على الشبان من طرابلس سوى «بوسطة عين رمانة» تجريبية، حيث بات جمهور «التيار الوطني الحر» يتعاطى مع خصومه بفائض القوة نفسه الذي يعبـّر عنه «حزب الله»، لكن بالقدر الذي يسمح به الواقع، لذلك، نظم هؤلاء كميناً للشباب الطرابلسيين، ولم يمتلكوا الجرأة على مواجهتهم بشكلٍ مباشر، في محاولة من العونيين لرفع معنوياتهم بعد فرار نائبهم الأسود من واقعة المطعم الأولى على قاعدة «وفي الهريبة كالغزالِ».

 

الحقد على طرابلس.. حتى متى؟!

 

لا شكّ أن حقد العونيين على طرابلس قد تضاعف بعد ثورة 17 تشرين الأول، وهي التي عانت من تشويه نوابهم وإعلامهم ومن افتراءات الأجهزة الأمنية المحسوبة عليهم على مدى سنواتٍ طوال، وقد ازدادت النقمة على الفيحاء بعد أن خلعت أصنام الزعامات وانفتحت على الوطن، فحطّمت الحواجز وفتحت قلبها لكل أبناء المناطق، فأصبحت أيقونة الثورة، في صورةٍ حضارية متألقة، لم تحتملها القلوب السوداء، وهي التي دأبت على تصويرها وكأنها قندهار للتشويه والإساءة في التوظيف، ولتبرير حرمانها من حقوقها الإنمائية والوظيفية والوطنية.

 

ألا في الفتنة سقطوا..

 

وهذه السياسة التي اتبعها تيار باسيل – الأسود تمتدّ في التمييز والاستهداف إلى كلّ المناطق التي لا يستطيع استحواذها، فتراه يحاصر أهلها بحجة «التوازن الطائفي» ويسلب مشاريعها، كما هو الحال في عكار وطرابلس، حتى يمكن وصف العهد بأنه عهد التهميش والحرمان، والتمييز والقمع، والإفلاس والإنهيار.. وأسوأ ما نجده في المقابل، ذلك «التشامخ» الأرعن عند القائمين على العهد، وادعاء سلامة السفينة وسلامة الأموال، بينما تغادرنا السلامة ويحلّ محلها كلّ أشكال النكبات التي يمكن أن تخطر على بال بشر!!!

 

عبادة الشخص وشتم الله

 

إن خطورة ما يقوم به «التيار الوطني الحر» تكمن في أنه بات مدرسة للتنشئة الخارجة على الثوابت الوطنية، والمشجعة للخروج عليها، والدافعة إلى المغامرة، بل المقامرة بمصير البلد، مقابل تحقيق جموحٍ سلطويّ وصل فعلاً إلى حدود الجنون.. حتى بتنا نرى «لبنانيين» لا يتمكنون من رؤية الكارثة التي وصلنا إليها، نتيجة عبادة الشخص وتقديسه، وشتم الله جل وعلا بكلّ وقاحة وإصرار.. فلا مئات الوفيات بالسرطان جعلتهم يستعيدون مشاعرهم الإنسانية، ولا فشلُ مشاريع السدود القاتلة للطبيعة والفاشلة في الجرود توقظ حسّهم الوطني، ولا انتشار الجوع وفقدان جنى أعمار اللبنانيين، يحدث لديهم الصدمة أو الأسف.. فهم «محلّقون» في عالمٍ آخر منفصلٍ تماماً عن واقع البلد

 

في الطريق إلى السيادة.. طار البلد

 

في طريقهم إلى السيادة، أصبح العونيون حلفاء للنظام السوري وتياراً فاعلاً في منظومة المحور الإيراني، فباتت «المقاومة» هي الأساس والجيش عاجزاً عن القيام بدوره الذي أناطه به الدستور.. والدولة معلّقة حبال الصراعات الإقليمية والدولية..

 

وفي طريقهم إلى «العلمانية» تحالف العونيون مع «حزب الله» الذي يأخذ البلد ليكون ضمن الرقعة الإستراتيجية لنظام الولي الفقيه، أحد أبشع أنظمة الحكم المتسترة بالدين..

 

كلّما تفاقمت الأزمة وتعمّقت، إزداد جموح هذه الفئة من اللبنانيين وتضاعف استفزازُها للأشخاص والشرائح والطوائف، لأن مهمتها زرع الفتنة واستجرار ردات الفعل الطائفية، لأنها تتغذّى عليها ولا تعيش إلا في أتون الفساد ولا تتوسّع إلا على خطاب العنصرية والإرهاب الفكري والسياسي.

 

الصعود للسلطة وانهيار البلد

 

إستفاد «التيار الوطني الحر» من حالة الهوان السياسي التي سادت مع التسوية الرئاسية، ومن خلال استفراد القوى السياسية، حصلت عملية تصفية سياسية عميقة، طالت مختلف مفاصل الدولة، حتى بتنا اليوم أمام تغوّلٍ تام من قبل طرفي الهيمنة: «حزب الله» والتيار العوني والملحقات، بينما باتت بقية الأحزاب محاصرةً وباتت التوازنات مكسورة ومائلة إلى جانب الحزب وحلفائه، وكم هو لافتٌ أن صعود الحزب وحلفائه توازى مع هذا السقوط المخيف للبلد واقتصاده ومنظومته الاجتماعية، مع ما تعنيه هذه المفارقة من مخاطر.

 

الردّ الأمثل والأجمل..

 

في ختام هذه السطور، أضع بين يدي القارئ العزيز موقفين يعبّران بصدقٍ وأمانة عن حقيقة ما نحن فيه اليوم: موقف جبران باسيل بعد الإعتداء على شباب طرابلس، حيث رفض إدانة التعدي الحاصل، ورفض كذلك الاعتذار عن شتم العزة الإلهية والدين الإسلامي، فغرّد على «تويتر» وكتب: «خطاب الكراهية مستعر من فترة والتعدي عالتيار متكرر وممنهج. دايماً منواجه الحملة بوعي ومسؤولية، ما صمدنا سنين لنغيّر قناعاتنا ونهجنا اليوم. العنف على اشكاله جريمة بحق الوطن، وما لازم حدا يستعمله ضدّ حدا. الامتحان كبير، اصرارنا بيزيد ليكون لبنان متصالح مع تنوّعه وحاضن لكل أبناؤه».

 

في المقابل، كتب المواطن الثائر باسكال طربية على صفحته على فيسبوك: «‏خيي وحبيبي ونور عيوني الطرابلسي، كسروان بيتك والموارنة أهلك وروحنا فداك يا غالي يا ابن الغوالي.. ما تخاف يا ابني من شوية عنصريين طارئين على المجتمع، بكرا الناس بتلفظهم والتاريخ بينساهم.

 

أنت وأهلك وعشيرتك ومدينتك ودينك ومحمدك وربك بنص قلبنا، وبدك روحنا ما بتغلى عليك. دخيلك ما تبكي».

 

كلام باسكال، إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على عمق الإنتماء الديني الصحيح، لأن الدين جوهرُه المحبة، وعلى صدق الإنتماء الوطني لأنه أسقط الحزازيات الجاهلية المرذولة، التي يعيش عليها العنصريون، وأحيا الأمل بأنه كلما أوقد العونيون والمعسكر الإيراني ناراً للفتنة، أطفأها اللبنانيون الأحرار بعزمهم وصبرهم وثباتهم.

 

والحقيقة أنه لا يوجد بعد كلام باسكال كلامٌ يصلح للردّ والمقاربة والتداول.