يبقى النائب زياد أسود المرشّح الأكثر حضوراً وضجيجاً في جزين، رغم محاولات محاصرته داخل التيار الوطني الحر من جهة وحملات التحريض التي شنّت ضده بسبب مواقفه الحادة مناطقياً وطائفياً وسياسياً من جهة أخرى. وإذا كانت جزين «أم المعارك» في الانتخابات النيابية المقبلة بحسب وصف البعض، فإن أسود بطلها. مشهد اللوائح معه أو من دونه لن يمر على خير.
في انتخابات 2009 النيابية في قضاء جزين، صوّت لزياد أسود 15 ألفاً و648 ناخباً من أصل حوالى 29 الفاً. أي بفارق يتراوح بين ألف وألفي صوت عن زميليه في لائحة التيار الوطني الحر، ميشال الحلو عن المقعد الماروني وعصام صوايا عن المقعد الكاثوليكي. تجربة الترشح الأولى جلبت للنائب الجزيني ما يزيد على 53 في المئة من أصوات المقترعين. نسبة يعيدها أسود إلى «30 سنة من العمل في لبنان و20 سنة من العمل في جزين».
في الانتخابات الداخلية التي أجراها التيار الوطني الحر لاختيار مرشحيه للنيابة، تقدم أسود في جزين عن باقي المرشحين الموارنة. وفي استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز عدة أخيراً، حلّ أول مقارنة بباقي المرشحين الجزينيين. مناصرو أسود فرحوا بالنتيجة، لكنّ آخرين من أبناء جلدته وسواهم لم يكونوا فرحين.
في الأشهر الأخيرة، راجت شائعات تحدثت عن اتجاه قيادة التيار لاستبدال أسود بالمرشح المفترض جان عزيز، لكن سرعان ما سقط هذا الخيار الذي بدا أنه أشبه بمناورة لاعتبارات برتقالية داخلية. أيضاً، كثر الترويج لزميله الماروني أمل أبو زيد منذ فوزه في الانتخابات الفرعية في عام 2016 «بوصفه شخصية جامعة ومعتدلة ويملك علاقات جيدة مع مختلف الأفرقاء، في مقابل أداء أسود المستفز للجوار الجزيني، لا سيما صيدا»، وفق محازبين عونيين.
إلا أن حصار أسود لم يؤثر على قاعدته الشعبية، خصوصاً في مسقط رأسه..
«سأكون على لائحة التيار في جزين، إلا في حال أصررت أنا على ألا أترشح». خلاصة توصل إليها أسود بعد دراسة السوق الانتخابية والجدوى الشخصية والسياسية من خوض الانتخابات. «لطالما كنت في برّ الأمان داخل التيار، ومن نظّر لاستبعادي منه لا يعرف التيار ولا يعرف جزين أو يعرفني». صحيح أنه تقدم رسمياً بطلب ترشحه عن أحد المقعدين المارونيين في دائرة صيدا ــ جزين، إلا أن كل الاحتمالات واردة لديه. تارة يجزم بخوضه المعركة لأن «جزين تحتّم عليّ خوضها. فإذا ربحت أمّنت الاستمرارية للنهج السياسي المتوازن والندي، وإذا خسرت، فليتحمّل الناخبون مسؤولية خيارهم الجديد»، وتارة يترك الباب مفتوحاً: «قبل سنتين، طلبت من رئيس التيار جبران باسيل ألا أترشح مجدداً. وأخيراً، عرضت أن أضحّي بمقعدي الماروني لمصلحة ترشيح كاثوليكي مكاني، إلى جانب أبو زيد الماروني، في حال فرض أي فريق على التيار الاستغناء عن المقعد الكاثوليكي، عوض أن يشعر الكاثوليك بأنهم معزولون»، وطوراً يستدرك بأنه ليس مرغوباً من قبل بعض الناخبين الشيعة في جبل الريحان والسنّة في صيدا بسبب مواقفه الحادة: «لا أريد أن أخسّر التيار، بل أريد أن أريّح المزعوجين الذين توجعهم مواقفي». مقابل كل ذلك، يدرك أسود «الزاهد» أن عروضاته لتياره غير قابلة للتطبيق. فاستطلاعات الرأي، كما الحسابات، تشير إلى تراجع التيار لعوامل عدة، منها الخلافات الداخلية وصعوبة تمكنه من الوصول إلى أكثر من حاصل انتخابي بمفرده. فبالنظر إلى نتائج الانتخابات الفرعية عام 2016، اقترع لأبو زيد 14 ألفاً و600 ناخب، منهم 2500 شيعي (ينتمون إلى حزب الله وأمل) و1500 قواتي، في حين أن العتبة الانتخابية المقدرة لانتخابات 2018 تبلغ حوالى 16 ألف صوت.
سرعان ما يعيد أسود تموضعه. «هناك معضلة في لائحة التيار تمنعه من الفوز، في حال لم أنضم إليها». تفرغ اللائحة من رمزية أسود المتجذّر في التيار منذ الثمانينيات في مقابل بروز أبو زيد «الطارئ على التيار والآتي من نادي رجال الأعمال»، كما وصفه أسود عند انتخابه. عدا عن الرمزية، فإن العامل المركزي مؤثر أيضاً. «أنا الجزيني الوحيد في لائحة التيار، في مقابل المنافس على المقعد الماروني إبراهيم عازار. في حين أن كلاً من أبو زيد والمرشح الكاثوليكي المفترض من أبناء قرى القضاء».
أسود: سنخوض الانتخابات بثلاثة مرشحين
لا يكاد أسود يحسم ترشيحه على لائحة التيار إلى جانب أبو زيد فحسب، بل يقطع الطريق على احتمال الاستغناء عن المقعد الكاثوليكي. «سنخوض الانتخابات بثلاثة مقاعد»، ولكن… أسود يدرك أن اكتساح المقاعد الثلاثة كما في عام 2009 لن يتكرر بسبب صيغة القانون الحالي. من هنا، «فضّلت الماكينة الانتخابية التركيز على أسود وأبو زيد، ليس لأنهما مارونيان، بل لأنهما الأقوى، في مقابل حظوظ المرشح الكاثوليكي الأقل. وعليه، لا نكسب في حال استبدلنا الماروني القوي بالكاثوليكي الضعيف». مع ذلك، «في حال فرض الاعتراض الكاثوليكي أن أبتعد، فلن أرفض».
لماذا يفترض أسود أن التيار سيضحّي به وليس بأبو زيد؟ «ربما بسبب أمواله وربما بسبب ديبلوماسيته»، يقول. يتوقف كثيراً عند اتهامه بالتطرف، فيتساءل: «هل كنت متطرفاً عندما دافعت عن المقاومة في مجلس النواب حينما كان رأسها تحت السكين؟ وهل تطرّفت عندما دافعت عن الرئيس سعد الحريري خلال احتجازه في السعودية، أم يوم وقفت مع سليمان فرنجية ضد سمير جعجع؟». يؤكد أن دمج صيدا وجزين في دائرة واحدة لم يحرجه. زيارته لبعض القوى الصيداوية لم تكن مصطنعة. «أعامِل بالمثل وأزور من يزورني». وهنا، يشكو عدم التوازن بين القضاءين. «لماذا على القوى الجزينية زيارة القوى الصيداوية، وليس على الصيداويين زيارة جزين؟ المشهد ليس باتجاه واحد». وإذا كانت طريق أسود إلى صيدا ليست معبّدة، فإن طريقه إلى جبل الريحان أكثر سهولة. «يظن أن جزءاً من الناخبين الشيعة سوف يقترع للتيار»، بصرف النظر عن التحالفات، خصوصا أنه لم يكن مستعداً يوماً لإدارة ظهره للمقاومة، كما أدار ظهره لتفاهم معراب بين «التيار» و«القوات».