وسائل إعلامية ستطعن بمنع الحديث مع السفيرة الأميركية
يختزل السجال الدائر في البلاد حيال قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح، حول منع السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا من الادلاء بأي تصريح صحافي ومنع وسائل الاعلام اللبنانية أو الاجنبية التي تعمل على الاراضي اللبنانية من إجراء أي مقابلة معها لمدة سنة، الصراع الدولي والاقليمي الدائر في لبنان.
لا يبدو أن المواطنة فاتن علي قصير التي تقدمت بالاستدعاء عند مازح عبر البريد الالكتروني، أو الأخير نفسه، قد ساورهما الوهم أن ذلك سيسكت شيا التي لم يكن تصريحها الذي هاجمت فيه «حزب الله»، الأول ولن يكون الأخير، وإن كان القرار قد يكبح جماحها.
كباش سياسي
هو كباش ظاهره قانوني، لكن مضمونه أكبر بكثير في ظل الصراع العميق الدائر حالياً في لبنان كما في المنطقة طبعاً. وإذا كانت السفيرة قد بالغت في أدائها وتصريحاتها، إلا أن من الجدير القول إن محاسبتها على ذلك منوط بالسلطات المعنية وعلى رأسها وزارة الخارجية اللبنانية.
القاضي مازح الذي اكتسب احتراما في القضاء وفي البيئة القانونية، عزز تلك السمعة مع تدخله قبل أسابيع لمنع سفر رئيس والمدير العام لمجلس إدارة «بنك لبنان والمهجر» على خلفية التمنع عن إعطاء أحد المودعين مبلغا ماليا لعلاج والدته المريضة. «يجب أولاً احترام شخص وقرار القاضي وعدم التعرض له بالشخصي، فالقرار صدر عن قاض اعتقد أنه علّل بما يجب، ولا أحد هو في موقع تقييم عمله». هذه كلمات الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي زياد بارود لـ«اللواء».
القاضي الذي كان واضحا في التعليل، حسب الوزير الأسبق، لم يتناول السفيرة لعلمه بأن ثمة حصانة ديبلوماسية بل تحدث عن تصريحها الذي حسب قصير، جاء فيه في تاريخ 26 حزيران 2020 على قناة «الحدث» تصريحات مسيئة الى الشعب اللبناني ومثيرة للفتن والعصبيات ومن شأنها تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وتشكل خطراً على السلم الاهلي والعيش المشترك. وهي تناولت أحد الأحزاب اللبنانية الذي له تمثيل نيابي في مجلس النواب وتمثيل وزاري في الحكومة وله قاعدة شعبية لا يستهان بها في لبنان، وإن التطرق إليه لجهة تحميله المسؤولية عما وصلت إليه الاوضاع في لبنان يخرج عن الأعراف الديبلوماسية المعهودة والمتعارف عليها بموجب المعاهدات الدولية واتفاقية فيينا، كما أنه يسيء الى مشاعر الكثير من اللبنانيين ويساهم في تأليب الشعب اللبناني على الحزب المذكور.
فالأجنبي، حسب مازح، ليس له الحق بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والسياسية في بلد ما وتعريض سلمه الاهلي للخطر، بل من واجبه الديبلوماسي والاخلاقي احترام الدولة التي يعمل بها. لكن بارود، الذي يُقر بأن كلام شيا قد يفسر على أنه يمس بمشاعر لبنانيين وهو ليس جديداً، يسجل بأن القاضي نفسه ذكر في قراره أن الإتفاقيات الديبلوماسية لا تجيز للقضاء المحلي أن يتخذ تدابير في حق سفير ولو كانت من قبيل منع التعرض، ولذلك ذهب القرار في اتجاه الوسائل الإعلامية اللبنانية أو الأجنبية التي تعمل في لبنان التي منعها من استصراح السفيرة لمدة سنة تحت طائلة التوقيف عن العمل لمدة مماثلة في حال عدم التقيّد بهذا القرار، وإلزام الوسيلة المخالفة بدفع مبلغ 200 الف دولار أميركي كغرامة إكراهية في حال عدم الالتزام.
هنا يتوقف بارود طويلاً. وهناك ملاحظتان له على القرار، في القانون وليس في السياسة، وبغض النظر عمّن استهدف، فهو يعتبر أن القاضي لا يستطيع الحلول مكان السلطات المحلية ويشرع في تنظيم عمل المؤسسات الإعلامية، وقد دخل القرار في التعميم على كل وسائل الإعلام من دون استثناء، كما أنه جاء إستباقياً، مفترضاً المخالفة من الجميع ولمدة سنة. وبحسب بارود فإن قانون أصول المحاكمات المدنية لا يسمح للقاضي بأن يضع أحكامه بصيغة الأنظمة (المادة 3 منه).
كما أن الوسيلة الاعلامية لا تتحمل حكماً مسؤولية الكلام على منبرها، والقرار من هذه الزاوية يتعرض الى حرية التعبير ويخرج عن إختصاص قاضي الامور المستعجلة، علما أن قانون الإعلام المرئي والمسموع للعام 1994 يوفر صلاحيات لوزير الاعلام ولـ«المجلس الوطني للإعلام» لاتخاذ التدابير اللازمة في مثل هذه القضايا، وشتّان ما بين السماح بالتعرّض لمشاعر فئة من اللبنانيين وللكرامة الوطنية، وهو أمر مرفوض كليا، وبين منع مسبق واستباقي ولمدة سنة لجميع وسائل الإعلام من أداء دورها.
ويتابع بارود: لا شك عندي بحسن نية القاضي ووطنيته التي حملته إلى هذا القرار، ولكن كنت أتمنى ألا ينطوي على ثغرات قابلة للنقاش في القانون. في أي حال، يقول بارود، من غير المجدي مناقشة القرار في السياسة، ومن يعتبر نفسه متضررا من القرار يمكنه الطعن به وليحسم القضاء عندها كل هذا النقاش.
هل كان يمكن تفادي القرار؟
يطرح القرار، حسب بارود، أكثر من إشكالية قانونية، وكان يمكن رد الطلب لعدم الاختصاص أو إحالة الملف الى وزيرة الاعلام، كما أن لكلام السفيرة إجراءات لبنانية لحظتها إتفاقية فيينا للعام 1961 والتي وقع عليها لبنان العام 1970، منوطة بوزارة الخارجية والمغتربين. والإجراءات يمكن أن تكون عديدة هنا، كان يمكن تقديم شكوى الى الوزارة التي قد تبعث كتاب استنكار الى نظيرتها الاميركية، وبالإضافة إلى استدعاء السفيرة، يمكن الوصول في التدابير الى الطلب من السلطات الاميركية عدم اعتماد السفيرة في لبنان، كما يمكن مناقشة القرار في الحكومة بناء على طلب الوزير المعني، علما أن الخيط رفيع بين إدلاء سفير ما برأي معيّن وبين تدخله فعليا في الشؤون الداخلية.
وهو يشير الى أن القرار له أبعاد كثيرة وعلى كل متضرر أن يسلك الوسائل القانونية التي تسمح بالطعن في القرار حسب قانون أصول المحاكمات المدنية. فالقرار الذي نسميه «أمر على عريضة» ولم يُبلغ الى المدعى عليه، إجراءات الطعن فيه واضحة ويمكن سلوكها، وقد خرج من بين يدي القاضي الآن.
ويشير بارود الى أنه علِم على هذا الصعيد بأن وسائل إعلام ستطعن بالقرار الذي اتخذ ضجة كبيرة «كونه تُرجم في السياسة في حين أن المطلوب وضعه في سياقه القانوني تماما كما قال، في بيان، القاضي نفسه الذي أصدره».