IMLebanon

بارود لـ”نداء الوطن”: ما يجري نقاش سياسي وليس قانونياً 

مشروع اللامركزية أُنجز في 2014 وهو أمام لجنة الإدارة منذ 2016

 

بينما ينهمك اللبنانيون بالتفتيش على وسائل تأمين استمراريتهم في الحياة، يبتدع السياسيون عناوين وملفات مختلفة بغية تقطيع الوقت والتغطية على تقصيرهم وقصورهم في القيام بواجباتهم الدستورية، إن لجهة إنتخاب رئيس للجمهورية، أو لجهة إقرار المشاريع الإصلاحية التي قد تُعيد الإنتظام للدورة الإقتصادية في البلاد. وآخر تجليّات هذه القوى والأطراف موضوع اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وما رافقه من جدال ونقاش بين المعنيين.

بداية، لا بد من التذكير بأنّ بند اللامركزیة الإداریة جاء في اتفاق الطائف تحت عنوان «الإصلاحات الأخرى»، وقد نص على أنّ الدولة اللبنانیة دولة واحدة موحّدة ذات سلطة مركزیة قویة، وتوسیع صلاحیات المحافظین والقائمقامین، وتمثیل جمیع إدارات الدولة في المناطق الإداریة على أعلى مستوى ممكن تسهیلاً لخدمة المواطنین وتلبیة لحاجاتهم محلياً، وإعادة النظر في التقسیم الإداري بما یؤمن الإنصهار الوطني وضمن الحفاظ على العیش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وإعتماد اللامركزیة الإداریة الموسعة علـى مسـتوى الوحدات الإداریة الصغرى (القضاء وما دون) عـن طریـق إنتخاب مجلس لكل قضاء یرأسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة، وإعتماد خطة إنمائیة موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطویرالمناطق اللبنانية وتنمیتها إقتصادیاً وإجتماعیاً وتعزیز موارد البلدیات والإتحادات البلدیة بالإمكانات المالیة اللازمة.

 

ولادة المشروع

يرى الأب الروحي والمسؤول عن إعداد مشروع اللامركزية الإدارية الموسعة، الوزيرالسابق زياد بارود أنّ «النقاش الذي يجرى الآن عبر وسائل الإعلام ومن قبل بعض القوى والأطراف السياسية حول اللامركزية، هو نقاش سياسي ولا علاقة له بالقانون والعلم والنص الدستوري».

ويؤكد بارود في حديث خاص لـ»نداء الوطن» أنّ «اللامركزية ليست تقسيماً وهي في صلب الدولة الموحّدة وتُعزز الوحدة الوطنية، وأن المشروع الذي عملت عليه لجنة الخبراء برئاسته جاء تطبيقاً لاتفاق الطائف وضمن الأطر الدستورية، وأصبح لديه شرعية رسمية نظراً للتكليف الحكومي الرسمي للجنة للقيام بهذه المهمة، كما أنّ هذا المشروع لا يدّعي أنّه كامل ولكنّه متكامل ومطروح للنقاش، وقد أصبح موجوداً في مجلس النواب منذ العام 2016 بعدما تبنّاه النائب سامي الجميل كإقتراح قانون، وأحيل إلى لجنة الإدارة والعدل البرلمانية التي شكّلت لجنة فرعية له إنطلقت برئاسة النائب الراحل روبير غانم، ثم تابعت برئاسة النائب جورج عدوان وعقدت 70 جلسة أو إجتماع لبحثه حتى الآن».

ويقول بارود: «قد يكون كل ما يُطرح بشأن الفيدرالية ردّ فعل على عدم إعطاء اللبنانيين حقهم باللامركزية الموسّعة كما أقرّها إتفاق الطائف وبالإجماع، وأعتقد أنّ الجدل القائم الآن حول الجانب المالي هو بالسياسة، لأنه من الناحية القانونية لا وجود للامركزية إدارية من دون الجانب المالي، فهناك تفسيرات خاطئة والكلام عن إنسلاخ عن الدولة المركزية في غير محله، فنحن الآن ومن خلال البلديات لدينا لامركزية مالية عبرالصندوق البلدي المستقل». ويوضح أنّ «الصندوق اللامركزي المقترح عبرالمشروع أو الإقتراح بدل الصندوق البلدي المستقل، هدفه تأمين الإستقرار والعدالة في توزيع العائدات، ومن يطلع على المشروع مع المحاكاة التي جرت والتقرير المرفق، يتبين كيفية تحقيق الإنماء المتوازن عبر مؤشرالتنمية المعتمد، فعندما تُعطى المناطق صلاحيات في الجباية كتسديد ضريبة الأملاك المبنية لدى مجلس القضاء مباشرة، لا يختلف الأمر عما تقوم به البلديات الآن عندما تُحصل رسوم المياه والأرصفة».

وعلمت «نداء الوطن» أنّ بعض القوى السياسية والكتل النيابية استوضحت في الآونة الآخيرة من اللجنة ورئيسها بعض المعلومات عن المشروع، بينما اكتفت قوى أخرى بالمناقشات التي جرت في مجلس النواب سابقاً. وتمحور المشروع الذي أعلن عنه أوائل شهر نيسان عام 2014 قبيل نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان حول النقاط التالية:

1 – يأخذ بالإجماع اللبناني حول اللامركزية الموسعة إنطلاقاً من إتفاق الطائف، وإذا كان المشروع يعطي فعلاً أوسع الصلاحيات للمناطق، فهو يبقيها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي.

2 – يعتمد اللامركزية فعلاً لا قولاً من حيث إستحداث مجالس منتخبة بالكامل وإعطائها ليس فقط الإستقلالين الإداري والمالي وإنما أيضاً التمويل والواردات اللازمة (وهي العصب) ويحصرالرقابة إلى أقصى حدّ بجعلها لاحقة لا مسبقة.

3 – يبقي على البلديات كوحدات لامركزية أساسية ولا يمسّ بصلاحياتها أو بأموالها ويعتمد القضاء كمساحة لامركزية، نظراً إلى شرعيته التاريخية وإلى تأمينه الحاجات التنموية.

4 – يستحدث صندوقاً لامركزياً يحل محل الصندوق البلدي المستقلّ ويكون أعضاء مجلسه منتخبين ويعمل وفقاً لقواعد منهجية ولمعايير توزيع تعتمد مؤشرات (indices) موضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وتحفيز النمو المحلي.

وقد عملت لجنة من الخبراء على إعداد هذه المشروع على مدى تسعة أشهر، وعقدت 47 إجتماعاً في القصر الجمهوري في بعبدا وخلصت إلى مشروع يتضمّن 147 مادة وتقريراً تفصيلياً يشرح الخيارات المعتمدة ويتضمّن محاكاة بالأرقام للشقّ المالي للامركزية.

وضمّت اللجنة التي صدر قرار تشكيلها وتكليفها بإعداد المشروع بتاريخ 7/11/2012 من قبل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تحت الرقم 166/2012 وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود رئيساً، وعضوية كل من: الوزيرالسابق سامي منقارة (الذي غادرنا منذ أيام)، مستشار وزيرالداخلية والبلديات المحامي ريمون مدلج، المدير العام السابق لوزارة الداخلية عطاالله غشام، رئيسة بلدية بعقلين وإتحاد بلديات الشوف – السويجاني الدكتورة نهى الغصيني، الباحث في العلوم السياسية الدكتور كرم كرم، المستشارة القانونية في رئاسة الجمهورية الدكتورة ريان عساف، مدير المركز اللبناني للدراسات سامي عطاالله، المدير العام للمجالس والإدارات المحلية خليل الحجل، المستشار القانوني في رئاسة الحكومة الدكتورعثمان دلول (الذي توفّاه الله خلال عمل اللجنة)، كما ساهم القاضي زياد أيوب في جانب من جلسات اللجنة.

وعاون المحامي رافايل صفير اللجنة في أمانة السرّ، كما استعانت اللجنة بخبراء في مسائل مختلفة.