«طرحتُ في «قضية رقم 23» وجهة نظر الفلسطيني و«القوّتجي»، ولم أكن طرفاً، ولكنّ الناس معتادة بشكل عام على الحكم على تبنّي الشخص وجهة نظر الفلسطيني بأنه أمر ممتاز، أما تبنّيه وجهة نظر «القوّاتي» أو المسيحي فهذا أمر سيّئ»، يقول المخرج زياد دويري. ويكشف لـ«الجمهورية» سببَ الحملة التي شُنّت ضدّه، موضحاً بعض النقاط المُثارة حول فيلمه الجديد الذي يُعرض حالياً في صالات السينما اللبنانية.
يُعرض حالياً في صالات السينما في لبنان «قضية رقم 23» أو «The insult» أي «الشتيمة»، للمخرج زياد دويري. ساهمت في كتابة الفيلم مع دويري جويل توما، وتشارك فيه نخبة من الممثلين اللبنانيين، هم: عادل كرم وريتا حايك وكميل سلامة وديامان بو عبّود وطلال الجردي وجوليا قصّار وكريستين شويري ورفعت طربيه، إضافة إلى الممثل الفلسطيني كامل الباشا الذي فاز عن دوره في الفيلم بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية بدورته الرابعة والسبعين. ورشّحت الدولة اللبنانية الفيلمَ رسمياً لجائزة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار.
شتيمة أنتجت فيلماً
يروي الفيلم الرابع لزياد دويري (ساعة و50 دقيقة) تداعيات مشادّة تحدث في شارع فسوح في منطقة الأشرفية في بيروت بين طوني (عادل كرم)، وهو مسيحي لبناني، وياسر (كامل الباشا)، وهو لاجئ فلسطيني، وتأخذ الشتيمة أبعاداً أكبر من حجمها، ما يقود الرجلين إلى مواجهة في المحكمة. وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جِراح الرجلين وتكشف الصدمات التي تعرّضا لها، يؤدّي التضخيم الإعلامي للقضية إلى وضع لبنان على شفيرِ انفجارٍ إجتماعي.
قد يجد البعض أنّ المخرج زياد دويري ينكأ في هذا الفيلم جِراحَ الحرب اللبنانية، إلّا أنّ نجاحَ أيّ فيلم يكمن في كيفية إخبار القصة وتقديمها إخراجياً ضمن سيناريو لا يستخفّ بعقول المشاهدين.
«دائماً هنالك أشخاص سيقولون لك لماذا تقدّم هذا الموضوع وفي هذا التوقيت. أنا لا آخذ بعين الاعتبار سؤال «لماذا». أنا لم آتِ لأنكأ الجِراح، أنا ببساطة أريد أن أشتغل سينما. ولا يستدعي السيناريو الكثير من التحليل، إنه ببساطة قصة»، يقول المخرج زياد دويري في مقابلة خاصة لـ«الجمهورية».
أمّا مصدر هذه القصة، فيخبر دويري أنه حادث شخصي حصل بينه وبين شخص فلسطيني، أدّى إلى تلاسنهما… من ثمّ عاد واعتذر منه. هذا الحادث كان شرارة فيلم «قضية رقم 23» ونقطة انطلاقه.
لماذا رقم 23؟
رداً على مَن يتّهمه بأنّه يتبنّى وجهة نظر «القوات اللبنانية» أو «الفكر المسيحي» في هذا الفيلم، يقول «تربّيت في بيت يساري وكنتُ أملك أفكاراً يسارية وأتعاطف مع الفلسطيني وأؤيّد قضيّته وما زلت، ولكن هذا لا يعني أنّ المسيحي في لبنان الذي عانى من الحرب لا يحقّ له أن يكون له صوت وهدف، بل يجب أن نسمعه.
طرحتُ في الفيلم وجهة نظر الفلسطيني و«القوّتجي»، ولم أكن طرفاً، ولكنّ الناس معتادة بشكل عام على أنّ تبنّي الشخص وجهة نظر الفلسطيني أمر ممتاز، أما تبنّيه وجهة نظر القوّاتي أو المسيحي فهذا أمرٌ سيّئ.
في صغري كنتُ معادياً للقوات والكتائب اللبنانية، وللفكر المسيحي عموماً، عبر الزمن تغيّرتُ وفهمت. لم أتخلَّ عن قضيّة لأتبنّى قضية أخرى. ولكنني اليوم أفهم أنّ لكل قصّة طرفين. ليس للفلسطينيين أو للأرمن… فقط قضية، كل الناس تعاني، ويحق لكل الناس أن تعبّر عن معاناتها».
عن تناوله قضية حساسة وشائكة، الرواية التاريخية حولها غير مُوحّدة، وهي الحرب اللبنانية والصراع بين جزء من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين المسلّحين في لبنان ومَن دعمهم حينها، يؤكّد دويري: «لا شيء يخيفني، أنا أعبّر عن رأيي مهما كان، وأقول الحقيقة.
الحقيقة في الفيلم هي حقيقتي، هي وجهة نظري للأمور. يوجد تابو مسيحي لغاية اليوم حول هذا الموضوع، وهناك فئات تخوّن المسيحيين. أنا أعتبر أنّ المسيحيين جزءٌ من هذا البلد، أعتبر القوات والكتائب جزءاً مهماً من هذا البلد، وبشير الجميل كذلك».
أمّا عن اختيار رقم 23 في عنوان الفيلم، يلفت دويري إلى أنّ عبارة «قضية رقم 23» ترِد في سياق السيناريو، وأنّ اختيار الرقم مجرّدُ صدفة، ولا سبب معيّناً وراءه. «كان بالإمكان أن تكون قضية رقم 22 أو 18».
ما وراءَ الحملة
عن الهدف من إثارة موضوع تصوير فيلمه «الصدمة»، عام 2010 في تل أبيب، في هذا التوقيت، يقول دويري: «أعتقد أنّ الذين يهاجمونني والذين افتعلوا هذه المعمعة حولي، لا يريدون أن يُعرض فيلم «قضية رقم 23»، لذلك حاولوا أن يجدوا طريقةً ليوقفوه. لا يمكنهم توقيفه قانونياً لأنّ الفيلم قانوني، فحاولوا أن يجدوا سبلاً أخرى للقيام بذلك. الشعب لم يتجاوب معهم، والقضية انتهت».
وعن مطالبته بالإعتذار عن تصوير فيلمه «الصدمة» في إسرائيل، واعتبار أنّ هذا الاعتذار كان لينهي المشكلة قبل أن تُثار هذه الضجة، وهذه القضية بدورها تتماهى مع القصة في فيلمه، حيث إنّ اعتذارَ ياسر من طوني كان لينهي المشكلة بينهما، يحسم دويري الموضوع، «لا أعتذر، غير واردة، هل يعتذر السينمائي؟»
رداً على سؤال، حول سبب قيامه بالتصوير في تل أبيب، على الرغم من أنه بذلك يخرق القانون اللبناني، كما يؤذي مشاعر الكثيرين، يجيب دويري: «الفنان يخالف القانون أحياناً، ويسبح عكس القانون وضد التيار»، لافتاً إلى أنّ «ذلك سبّب مشكلة كبيرة، والذين اعترضوا وشنّوا حملة ضدي، حققوا مبتغاهم، وتمّ حينها منع عرض فيلم «الصدمة». ويختم: «برافو، لقد حرّروا فلسطين. بمنع عرض فيلم «الصدمة» لزياد دويري حرّروا فلسطين وأسقطوا إسرائيل».