في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، لم يتردد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في القول صراحة إنّه بات مقتنعاً بضرورة تعيين وزير بديل عن الوزير جورج قرداحي، الذي استقال على أثر اشكالية المواقف التي أدلى بها في ملف حرب اليمن وأثارت عاصفة من ردود الفعل. برّر فرنجية هذا المنحى الجديد بالقول إنّ حكومة نجيب ميقاتي قد تعمّر كثيراً طالما أنّ مدة الشغور المتوقع في الرئاسة الأولى، غير مضبوطة. هكذا، صدر قرار تعيين زياد مكاري وزيراً في الاعلام.
كما لم يخف بصمات نجله، النائب طوني فرنجية في الاختيارات الوزارية، والذي كان يفضّل تسليم الوزير الجديد حقيبة الشباب والرياضة، لا حقيبة الاعلام، في محاولة لإضفاء بعض الحيوية على حقيبة تحاكي اهتمامات جيل الشباب عشية الاستحقاق النيابي. لكن تعقيدات اللحظات الأخيرة حالت دون حصول هذا التبديل، مع العلم أنّ وزير الشباب والرياضة جورج كلاس شغل بالأساس منصب عميد كلية الاعلام، فكان بالامكان اجراء هذا الـswitch بسلاسة ومن دون اعتراضات تذكر. ولكن المحاولة باءت بالفشل حيث يتردد أنّ تغييب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن جولة المشاورات لاجراء التبديل، دفع به إلى التصدي لهذا المشروع، فبقيت حقيبة الاعلام مع «المردة».
بالنتيجة، استعاد «الزغرتاويون» حقيبة الاعلام بعدما كانت من نصيب الكسروانيين أسوة بحقيبة الاتصالات، ليس رغبة في الاحتفاظ بها، وإنما من باب تكريس توازن سياسي اشتغل عليه طبّاخو الحكومة عشية ولادتها، وكان لا بدّ من احياء هذا التوازن الذي يبقي الثلث المعطّل قائماً، وذلك طالما أنّ احتمال تحوّل الحكومة إلى حكومة «رؤساء جمهورية» ستسدّ بعضاً من الفراغ الرئاسي، قوي جداً.
زياد مكاري ليس اسماً جديداً بالنسبة لـ»المردة». هو صديق قديم لرئيس التيار ولمسؤوليه. ناشط سياسي في منطقة زغرتا، ولو من دون الكثير من الأضواء والضجيج. ابن عائلة تتعاطى الشأن العام، والده قائد الدرك السابق تيودور مكاري. كانت له أكثر من تجربة مع الانتخابات النيابية كمستقل، في العام 2000 و2005. بعدها تقرّب أكثر من سليمان فرنجية ومن خطّه السياسي ولو أنّه أبقى لمواقفه السياسية هامشاً خاصاً. وتظهر جولة سريعة عبر موقع «تويتر» بعضاً من مواقف مكاري من العديد من القضايا. كأن يقول مثلاً في ذكرى الرابع من آب «في بيروت شهداء لم تمت كلماتهم، وسلطة حيّة لم يُسمع لها صوت». وكتب مرّة مغرداً «الى كل سياسي لبناني في هذا الاسبوع الحافل بالوطنية: طالما تأتي السعودية قبل لبنان، وتأتي سوريا قبل لبنان، كيف تريدون بناء دولة؟». وتوجه مرة إلى طرفيّ مار مخايل بالقول سامح الله فريقَي تفاهم مار مخايل: اعتبرا بأن لديهما فائضاً من القوة الكفيلة بتأمين غطاء كافٍ لمشروعهما مع ابعاد القوى الأخرى، فتلهّيا بأجندات خاصة ودمرا أسس هذا التفاهم، للأسف…
يتفق مسؤولون في «تيار المردة» على توصيف الوزير الجديد بـ»الآدمي» الذي يحتل الجانب الانمائي- الاجتماعي حيزاً مهماً من اهتماماته ونشاطاته، فضلاً عن كونه استاذاً جامعياً. ولهذا رسا خيار التوزير عليه كوجه شبابي أكاديمي. وينفي بعضهم أن تكون العودة إلى زغرتا لاختيار ممثلي التيار في الحكومة مرتبطة بالاستحقاق النيابي المنتظر بعد حوالى شهرين، ومع ذلك ثمة من يرى أنّ اختيار وزير من عائلة مكاري التي ينتمي إليها النائب السابق جواد بولس المرشح على لائحة ميشال معوض، لا يمكن فصله أبداً عن الحسابات الانتخابية، خصوصاً وأنّ للوزير الجديد حيثيته وحضوره في العائلة، ولو أنّ قيادياً بارزاً في «التيار» ينفي هذا التصنيف ويقول: «لو كان الأمر كذلك لحصل ذلك مع ولادة الحكومة».
وتظهر سيرته الذاتية أنّه «مهندس معماري متخصص في العمارة اللبنانية والحفاظ على التراث الثقافي وترميمه، وحالياً إستاذ متفرغ في كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية. له العديد من الأبحاث الهادفة إلى الحفاظ على المواقع التاريخية والأثرية، ومن بينها دراسة أجراها لليونسكو حول التنظيم المدني لمدينة طرابلس والمينا (1995)، ودراسة شاملة للحفاظ على وادي قاديشا الأثري. يعمل الآن كمستشار للعديد من المبادرات المتعلقة بإعادة اعمار المباني المهدمة والمتضررة من انفجار بيروت. لديه شغف خاص بالعمارة اللبنانية حيث يعمل دوماً على تجديد وإعادة تأهيل المنازل اللبنانية القديمة. ينشط في العديد من المبادرات الشبابية المحلية والوطنية، انطلاقاً من قناعته بضرورة دعمها بغية الحفاظ على النسيج الاجتماعي والوطني وإشراك الشباب في الحياة العامة. وهو اهتمام بدأ معه في سن الشباب حين سعى إلى تأسيس العديد من المبادرات المحلية والمشاركة فيها، وقد كان لها دور هام في توطيد وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين مدينته زغرتا وجوارها، بشكل ساهم في تجاوز آثار الحرب والاقتتال الأهلي».