IMLebanon

زياد الصائغ لـ«الجمهورية»: تصويب تقرير بان كي مون يتطلّب سلسلة إجراءات

يعيش لبنان على وقع ارتدادات الهزّة التي خلّفَها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي حمل عنوان «كيفية التعامل مع أزمة النازحين واللاجئين». تقرير يتطلّب التعاطي معه، في نظر الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ، سلسلة إجراءات، يأتي في مقدّمها «تسمية مرجعية وطنية تُعنى بملف اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري، على أن يرافقَها حركة ديبلوماسية لبنانية نشِطة تصوّب المسار الخاطئ في التقرير».

التقرير الذي سيرفعه الأمين العام إلى الاجتماع المُخصص لموضوع المهاجرين واللاجئين والنازحين حول العالم في نيويورك في 19 أيلول المقبل، تضمّن «توصيات» تطاول اللاجئين السوريين خصوصاً في كلّ من الأردن وتركيا والعراق ومصر ولبنان، وقد أثارت الذعر ولا سيّما الفقرة (86) من التقرير، التي يدعو فيها بان كي مون إلى منح اللاجئين في الدول المستقبلة «وضعاً قانونياً، وأن تدرس أين ومتى وكيف تُتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنّس»، ومناشدته وضع «سياسات استيعاب وطنية لدمج اللاجئين»، و»إصدار الوثائق المتعلقة بتسجيلهم» (73)، و»توسيع فرَص حصولهم على عمل قانوني» (81)، ودعم «العودة الطوعية» للّاجئين إلى بلادهم (85).

تقرير يضَعه الخبير في السياسات العامة واللاجئين في سياق فشلِ الأمم المتحدة في إدارة الأزمات السياسية وإطالة أمد حلّها، وارتباك هذه المنظمة الدولية أمام نفوذ القوى الكبرى. ويقول الصائغ في مقابلة مع «الجمهورية»: «إنّ تقرير الأمين العام هو نتيجة هذه العوامل الثلاثة، وهو تقرير إداريّ غير قابل للتنفيذ بالمعنى السياسي الوطني القانوني والإداري»، لكنّه «قد يصبح أمراً واقعاً على الدول المُضيفة، ولدينا تجربة حيّة مع اللجوء الفلسطيني مع اختلاف المقارنة بالمعنى الاستراتيجي، على قاعدة أنّ النازحين السوريين سيعودون إلى دولتهم بشكل طوعي أو قسري، في حين أنّ اللاجئين الفلسطينيين حتى الآن لا إمكانية لعودتهم وتزويدهم بأرقام وطنية فلسطينية».

ويعتبر أنّ «إعادة التوطين في بلد اللجوء أو في أي بلد ثالث ليس بأمر جديد على الأمم المتحدة»، مُحذّراً من الخطر الكبير في تقليص خدمات «الأونروا»، والسعي إلى نقلِ مشكلة اللاجئين من المستوى الدولي الى الإقليمي فالمحلي.

ويذكّر الصائغ بمسار تعاطي الحكومة اللبنانية مع أزمة النازحين منذ اندلاع الأزمة السورية. ويقول: «بين العام 2011 و2012، تغافلت الحكومة اللبنانية عن وجود أزمة. من 2012 و2014 أصرّت على البعد الإنساني التمويلي، ومحاولة استجلاب الأموال، وتُرجِم هذا الطرح بتقرير للبنك الدولي، لحظ الانعكاسات المالية والاقتصادية للأزمة، وبقينا في دوّامة طلب الإغاثة».

ويرى الصائغ أنّ ما فعَله لبنان هو أقلّ ما يمكن أن يقدّمه إلى أناس عانوا الألم والتشرّد، وبحكم الأخوّة العربية والتفاعل الإنساني بين الشعبين، لكن في الوقت عينه «مشكلتُنا أنّنا تركنا الحدود مُشرّعة، لم يكن لدينا دراسة استباقية على غرار الأردن وتركيا».

وقد تأخّرَ لبنان في التمييز بين العمّال السوريين الذين كانوا في لبنان وبين المسجّلين في المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين. ويقول الصائغ: «لم تميّز وزارات العمل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية بين الكتلة العاملة واللاجئة.

الأمن العام فقط منذ سنة وضع تدابير إدارية. لم ننظّم قانونياً مسألة الولادات، فاقدو الأوراق الثبوتية لديهم أوراق فقط من الأمم المتحدة»، فضلاً عن ذلك «أقَمنا خليّة وزارية يعمل فيها كلّ وزير حسب مقتضيات وحاجة وزارته، وليس وفق سياسة عامة».

وفي نظر الصائغ أنّه كان يُفترض على الحكومة «إنشاء مراكز إيواء مُحدّدة المعالم جغرافياً»، ولم يطبّق ذلك لتعارضه مع مصالح الأفرقاء، ممّا شتّت وجود النازحين. ويقول: «إنّ مصلحة الدولة تقتضي ضبط النزوح الديموغرافي وتحديد طاقة الاستيعاب وضبط المساعدات، وتأمين الشفافية على مستوى الخدمات التربوية والاستشفائية، وضبط الأمور أمنياً حُكماً».

وفي ظلّ وجود 400 ألف لاجئ وفلسطيني ومليون و500 ألف نازح سوري، يقتضي توافر مرجعية موحّدة للّاجئين والنازحين، وتشكيل هيئة وطنية عليا تتكلّم باسم مؤسسات الدولة اللبنانية مجتمعة لتفادي تضارب المصالح بين الوزراء.

ويجد الصائغ فرصةً يمكن استلهامها من نقلِ المجتمع المدني والنخب الفكرية مستوى النقاش وربطه بالأمن القومي اللبناني وليس بمصالح الأطراف السياسية الضيّقة. ويقول: «مارَسنا السياسة في قضية النزوح ولم نرتقِ إلى مستوى السياسات المرتبطة بالمصلحة الوطنية العليا والأمن القومي، فلم نوحّد المرجعية ودخَلنا في الديماغوجيا وردّات الفعل والارتجال».

خلَل في جزء منه ناتج عن «الفوبيا» من الفلسطيني. فـ»نحن لم نتعلّم من الأخطاء التي ارتكبناها، بعدم وجود سياسة عامة تجاه الفلسطينيين»، بغَضّ النظر عن تداخل المصالح والأبعاد الاقليمية والدولية في هذه القضية»، على حدّ تعبيره.

وأمام هذا الواقع، ما الذي يمكن فعله إزاء هذا التقرير؟

يقترح الصائغ سلسلة إجراءات تتضمّن ضرورة عقدِ جلسة رسمية للحكومة يضع فيها الوزراء الحلول العملية لقضية النزوح السوري على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتأمين الرقابة على كلّ مصادر التمويل التي تأتي، وتنظيم عمل المجتمع المدني الذي يبذل جهداً هائلاً في مجال إغاثة النازحين، وتسمية مرجعية وطنية تُعنى بملف اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري وتنسّق مع الوزارات، على أن تُرَفّع تلك الهيئة إلى مستوى وزارة فور انتخاب رئيس وتشكيل حكومة.

ويُشدِّد الصائغ على أنّ الرفض لِما ورد في تقرير الأمم المتحدة يجب أن يترافق مع حركة ديبلوماسية لبنانية ليست رفضية فقط بل تحاول تصويبَ المسار الخاطئ، الذي ارتكِب في التقرير.

ويختم الصائغ بضرورة تنبُّه لبنان إلى مؤتمر السلام الدولي الذي سيُعقد في باريس في 3 حزيران المقبل، لإعادة إطلاق محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث ستتمّ مناقشة قضية اللاجئين.