كان مخططاً ونحن في ذروة الانكسار، أن نقبل مشروع إسرائيل، نطبّع معها، نقبل مشروع تهويد الدولة، نقبل بالتقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى. ثمّ إننا نقبل ولو على مضض بالتوطين (ونسلكها نفساً طيبة) ونسكت و(كفى الله المؤمنين شرّ القتال)، فمَن ذا الذي يستطيع بعد أن يرفض؟
لم يكن محسوباً أن «يتكرّد» الشعب الفلسطيني، نعم كان من المتوقع أن تحدث ردة فعل على المشروع الاسرائيلي للتقسيم المكاني للمسجد الاقصى، وكان محسوباً امتصاصها في الاجتماع الثلاثي الاميركي – الاردني – الاسرائيلي وأن ينتهي الموضوع بتركيب بضع كاميرات، وترافق هذا المشروع قرارات استيطانية إسرائيلية تمثل ذروة الإحباط للأماني الوطنية للشعب الفلسطيني، وفي المقابل قمة الزهو للمشروع الصهيوني في تشكيل (اسرائيل التاريخية).
خرج الشبان الفلسطينيون الى الشارع في ثورة سكاكين ولم يعودوا الى منازلهم بعد، هم في ذروة التأهب وأجهزة الاحتلال العسكرية والأمنية في ذروة الاستنفار إضافة الى تشريع الكنيست والحاخاميين لقتل الاغيار، لاقصائهم، هتك اعراضهم وسرقة أملاكهم… كان لا بد في السياق من تقسيم الفلسطينيين، وبعد اختلال غزة من الخارج تدمير القطاع وتحويل سكانه الى شعب مقيم على اشلاء مساكنه و(الاحتفاظ) بالضفة (غزوها) ساعة يشاء الاحتلال، استباحتها وتحويلها الى معتقل كبير، ومن اجل إنهاء المشكلة الفلسطينية، كان لا بدّ من توطينها في مجتمعات دول الشتات وجعلها مقبوله.
من أجل ذلك استُحدثت قوانين ملائمة (المواطنة) في بعض الدول (الانموذج الاردني) وتحوّل اللاجئون الى مواطنين عندهم كلّ الامتيازات فقط لا يحملون الجنسية وتنطبق عليهم حتى قوانين التجنيد الاجباري ولكن في جيش التحرير (الانموذج السوري)، وحملوا في بلدان الغرب حتى الأميركية الجنسيات، وبقي لبنان وحده يشبه (الجرذ) الذي يحمل في فمه عوداً حتى لا تبتلعه أفعى ابتلاع القضية وتوطينها! فإلى متى؟
ترافقت الهجمة الاستيطانية الاخيرة مع تدمير غزة وإعادة احتلال الضفة ووضع السلطة الفلسطينية في الاقامة الجبرية وصولاً الى مشروع تهويد (الكيان). وترافقت مع الحروب الجارية على مساحة بعض دول المنطقة والتي لا مصلحة للفلسطيني في خوضها او الانحياز لأحد أطرافها وإن كانت المخيمات الفلسطينية قد تحوّلت الى ساحة حرب، الأمر الذي لم يجد معه الفلسطينيون بدّاً من الهجرة (أنموذج مخيم اليرموك).
وهكذا زادت الحروب الدائرة من نكبة الفلسطينيين ومن ازمة تحمّل لبنان أعداداً جديدة من اللاجئين إضافة الى نصف مليون فلسطيني منذ عامي 1948 و1967 وما يزيد عن مليون و200 الف سوري منذ اندلاع الأزمة السورية قبل خمس سنوات.
وهكذا اتبعت سياسة ضغط جديدة من ابرز مظاهرها التنكر للالتزامات العربية والدولية بإعادة إعمار غزة، إفقار السلطة الفلسطينية، زيادة معاناة اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات وجعلهم يقبلون بأيّ حلّ خصوصاً أنّ هروبهم من جحيم الشرق الأوسط نحو أوروبا عن طريق البحر أثبت أنه غير آمن، فغرق الآلاف من الذين جرى إغراؤهم بركوب البحر.
سياسة الضغوط كانت في الاختيار بين الموت براً في الحروب الداخلية العربية – العربية الدائرة أو الموت بحراً (غرقاً في مصيدة البحر المتوسط أو أعالي البحار) أو الموت جوعاً مضافة الى ذلك المعاناة الصحّية والحاجة الى مختلف الخدمات وانعدام حقوق السكن والتعليم وصولاً الى حق الحياة.
وهكذا ومنذ مطلع العام الجاري سبقت الاشاعات القرارات بتقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بدعوى معاناة الوكالة المالية ما أشار الى احتمال انعكاس هذا الامر على نحو 33 الف طالب إضافة إلى تقليص الخدمات الطبّية. حسب ردود الفعل كان يجرى سحب او إطلاق الخدمات وصولاً الى الوقت الراهن.
فماذا يجري الآن؟
تحويل الجامعة الأميركية (AUB) الى منصّة تعلن من خلالها نتائج الدراسة البحثية التي تتناول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وهي دراسة لم تكن بقصد رسم سياسات موائمة تخفّف من تداعيات كارثة تكاد تحيق بواقع اللاجئين إنما لتستكمل احباط أماني الشعب الفلسطيني خصوصاً حقه في العودة. وقد أقدمت الأونروا على تقليص ملف الاستشفاء، وخدمات التعليم والمساس بحقوق التربية والتعليم للاجئين.
وقد أوردت منظمات أهلية فلسطينية أرقاماً مخيفة للتسرّب الذي يُلحق الأذى بمستقبل الأجيال الفلسطينية.
بالإضافة الى ما تقدّم جرى ضغط بعض الخدمات الى درجة حشر نحو 50 طالباً في الصف الواحد وتقليص مدة الحصة الدراسية الى 45 دقيقة – تقليص حجم وقيمة الحصة التموينية من 250 دولاراً الى 120 دولاراً – عدم مراعاة البطالة الناتجة عن وقف التصدير من السوق الزراعي اللبناني.
ويُشار الى أنّ الأونروا كانت أعلنت عن تعديلات على سياسة الاستشفاء في 14 كانون الاول 2015 وقالت إنها تهدف الى زيادة تغطية الرعاية الصحية من المستوى الثالث للمرضى وتعزيز تجانس التغطية الصحية مع سياسة الاستشفاء في البلد المضيف (لبنان) وسياسة الوكالة العامة (الأونروا في لبنان تستهلك 50 في المئة من ميزانية الوكالة) المخصصة للاستشفاء، ثمّ عادت الأونروا وأصدرت بياناً صحافياً في الاول من حزيران الفائت قالت فيه إنه ابتداءً من هذا التاريخ ستشرع بتنفيذ سياسة استشفائية معدّلة.
لكنّ اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية اضافة الى انها اكدت عدم ثقتها في إجراءات الأونروا، فإنها اعلنت رفضها سياسة الاستشفاء الجديدة ورأت ما تقدم وكأنه خطوات نحن التوطين وجعل الفلسطينيين يقبلون بأيّ أمر واقع والتخلّي عن الحلم الفلسطيني.