منذ اتفاقية «كامب ديفيد» الى «وادي عربة»، والاعلان عن التطبيع على قاعدة اتفاق يشمل عدة دول عربية وخليجية، وهو اتفاق «ابرام» نسبة لابراهيم، لم يؤد ذلك الى قبول الجسم الصهيوني الشاذ عن طبيعة وجود الشعوب العربية في هذه المنطقة وتاريخهم، ولم يستطع الجسم «الاسرائيلي» الاندماج في العالم العربي، لا باتفاقية تطبيع ولا بحروب ومحاولة استعمال القوة، بل ان المشروع الصهيوني اليوم اصبح في افق مسدود امام وحدة الساحات، وعجزه عن الانتصار في اي حرب شنها واستطاع الانتصار فيها بشكل كلي.
لقد قام العدو بحرب ابادة جماعية وجرائم حرب غير مسبوقة، لم نشهد مثلها الا في الحرب العالمية الثانية عندما قصفت الولايات المتحدة اليابان بقنبلتين ذريتين، وايضا كما حصل في المحرقة الالمانية ضد اليهود، الذي قام بها الجيش الصهيوني حيث قتل حوالى 40 الف مواطن فلسطيني، معظمهم من الاطفال والنساء والمسنين، واصيب حوالى 80 الف شخص بجروح اصابات اكثريتهم صعبة وخطيرة. والاخطر ان العدو الاسرائيلي قام في قطاع غزة بتدمير مستشفياته، حيث لم يعد هناك من مكان لمعالجة الجرحى.
وحدة الساحات وقفت في وجه المخطط الصهيوني واوصلته الى افق مسدود. صحيح ان «اسرائيل» اقامت اتفاقية «كامب دايفيد» مع جمهورية مصر العربية، الا ان الشعب المصري لا يسافر الى «اسرائيل» بنسبة كبيرة، ولا يقوم «الاسرائيليون» باستثمارات في مصر، والامر ذاته حاصل مع الاردن. فالشارع المصري والاردني قومي وعربي، ولا يقبل بسياسة «اسرائيل» الاجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
كما ان اتفاق «اوسلو» الذي وقعته «اسرائيل» مع السلطة الفلسطينة، قامت باجهاضه من خلال محاصرة قطاع غزة وتدمير المطار فيه، وتدمير كل مقومات الحياة والادارة المدنية، وحتى الشرطة التي اقامتها السلطة المدنية في قطاع غزة الغت «اسرائيل» كل مقوماتها. ولم تكتف بمحاصرة القطاع بل حوّلته الى سجن كبير ، فحصل الانفجار وحصل طوفان الاقصى.
الصهيونية في قطاع غزة لم تستطع الانتصار في حربها على حركة حماس وعلى حركة الجهاد الاسلامي، لكن القتال يدور بين جيش العدو الاسرائيلي وبين مقاومي حركة حماس، وها هو رئيس الحكومة «الاسرائيلية» بنيامين نتنياهو يعلن انتهاء المرحلة الاولى والثانية من الحرب في غزة، دون ان يشرح كيف يكون الجيش «الاسرائيلي» انتصر. فكل يوم يدمر المقاومون دبابة «اسرائيلية» او ناقلة جند، او يوقعون قتلى وجرحى في صفوفه، خاصة عندما هاجم رفح، دون ان ننسى في شمال القطاع الذي اعتبره جيش العدو تحت سيطرته، خاصة في مخيم جباليا وحي التفاح وغيرهما.
ويقول بنيامين نتنياهو انه سينتقل الى المرحلة الثالثة من الحرب ، فما هي المرحلة الثالثة؟ هي ضرب الاهداف لحركة حماس حتى انهاء وجودها العسكري، واغتيال قادتها في كل مكان، وهذا يحتاج الى اكثر من سنة اذا استطاع العدو الاسرائيلي تنفيذ هذا المخطط، لان حماس ايضا استطاعت تنظيم صفوفها، وعادت ونظمت الانفاق والقتال فيها، لتنفيذ عمليات والعودة الى مراكزها العسكرية، دون ان يستطيع الجيش «الاسرائيلي» اكتشاف الا 15% من هذه الانفاق.
اما على جبهة جنوب لبنان مع شمال فلسطين المحتلة فالقرار الذي اعلنه حزب الله عن مساندة ودعم لقطاع غزة، اعطى نتيجة كبرى واصبح الخبر الاول اميركيا واوروبيا، لان اي اتساع للحرب بين لبنان و»اسرائيل» سيشعل حربا اقليمية.
اما مقاومة حزب الله فهدّدت جيش العدو انه لن يكون حرا في استفراد غزة، ولا استفراد اي منطقة من دول الجوار، وخاصة القيام بحرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني كما يفعل في قطاع غزة، فهذا الزمن قد ولى، وخطة حزب الله ليس الدعم والاسناد لقطاع غزة فقط، بل خطته ارسال رسالة واضحة للجيش «الاسرائيلي» بان اي حرب سيقابلها حزب الله بحرب على الكيان الصهيوني من فلسطين المحتلة، ولن يسمح بعد الآن القيام بجرائم حرب وابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، دون ان يلقى ردا من مقاومة حزب الله بكثافة وبقوة نيران كبيرة، والدليل على ذلك المسيرات والصواريخ المضادة للدروع وصواريخ الكاتيوشا، التي تنهار وتتساقط على المستوطنات الفلسطينية في كامل الجليل الغربي والاوسط والشمال، انطلاقا من رأس الناقورة على شاطىء البحر وصولا الى الجولان المحتل.
هذا كله يدل على ان خطة الدعم والاسناد لقطاع غزة هي رسالة غير مفتوحة حتى الآن، انما تعني فعليا ان اي حرب «اسرائيلية» على الشعب الفلسطيني ستواجهها مقاومة حزب الله بحرب حقيقية على «اسرائيل» وليس بدعم واسناد لقطاع غزة.
كذلك ضمن خطة الدعم والاسناد، هناك تحرك انصار الله في العراق، حيث يطلقون صواريخ ومسيرات باتجاه ميناء ايلات «الاسرائيلي» العسكري. اما الحوثيون فهم باتوا يسيطرون على الملاحة تقريبا في البحر الاحمر، ويؤثرون كثيرا على البحر الابيض المتوسط، فحركة الملاحة البحرية باتجاه الموانىء «الاسرائيلية» انخفضت بنسبة 70% ، وفق غرفة الملاحة الدولية الموجودة في بريطانيا.
لسنا هنا لنقول محور ايران او محور عربي آخر، نحن نقول ان دول وحدة الساحات لن تقبل بالهمجية وحروب الابادة الجماعية التي يقوم بها الجسم الصهيوني الاجرامي، وان كل حركة همجية ضد الشعب الفلسطيني ستلقى ردا عنيفا، وهذه الشعوب تقول ان القضية الفلسطينية ستبقى حية، والشخصية الفلسطينية لن تزول.
فمهما استوطنوا في الضفة الغربية وقاموا بتطويق قطاع غزة وتآمروا على الشعب الفلسطيني، فلن يجعلوا القضية الفلسطينية غائبة عن الضمير العربي وعن ضمير دول الغرب، التي اعترفت 83 دولة بالدولة الفلسطينية، رغم الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة في هذا المجال.
«اسرائيل» اصبحت في افق مسدود نتيجة الوعي الدولي، ونتيجة المقاومة من خلال وحدة الساحات.
ألف تحية الى المناضلين والمقاومين.
شارل أيوب