دخلت حرب الإبادة على غزة شهرها الرابع وما زالت صور الموت والدمار والنزوح والتشريد تهيمن على المشهد الفلسطيني. وحوّلت الهمجية الصهيونيّة القطاع الذي يعيش فيه نحو مليونين ونصف فلسطيني من بينهم اثني مليون نازح، إلى منطقة جغرافية «غير صالحة للسكن» وفق آخر تقييم لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث. ويبدو أن رئيس وزراء العدو الصهيوني مُصرّ على إبادة قطاع غزة والدخول إلى رفح، حيث يلجأ أكثر من مليون ونصف من الفلسطينيين ويعيشون في ظروف قاسية على المستويات كافة، وما قد يترتب على هذه الخطوة من مجازر جديدة.
ليست الانتهاكات الصهيونية في قطاع غزة بجديدة، فمنذ حزيران ٢٠٠٧، فرض العدو الصهيوني حصاراً على قطاع غزّة في انتهاك فاضح للمادة ٣٣ من اتفاقية جنيف الرابعة، وفرض «منطقة معزولة» بعرض كيلومتر ونصف داخل غزّة، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى المناطق البحريّة على امتداد القطاع بعرض ٣ أميال بحرية من الشاطئ. وهذه الانتهاكات المتكرّرة تخفي في ثناياها أطماعاً ما عادت خفيّة على أحدٍ إلّا من أراد طوعاً، أو تآمراً، غضّ البصر.
عشم الصهاينة وعشم إبليس بدولة «إسرائيل الكبرى»
مشروع «إسرائيل الكبرى» هو مشروع توسيعي صهيوني يستند إلى نصوص دينية توراتية محرّفة، واردة بحسب الصهاينة، في التوراة في سفر الإصحاح ١٨ في الآيات ١٥ إلى ٢١، والذي يشمل كلّاً من مصر والأردن وسوريا ولبنان وأجزاء من العراق وبعض دول الخليج ومنها السعودية.
وبدأ الحديث عنه علانيّة مطلع الثمانينيات عندما نشر الصحفي الاستراتيجي الصهيوني أوديد ينون في العام ١٩٨٢ وثيقة بعنوان «الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات»، والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل ومؤسسي «إسرائيل» نهاية الأربعينيات، ومنهم الحاخام اليهودي فيشمان. ووفقاً لهرتزل، فإن «منطقة الدولة اليهودية من مصر إلى نهر الفرات»، ما يعني أن جميع الدول الواقعة في هذا الحيّز هي هدف للمشروع الصهيوني.
وفي هذا السياق يريد كيان «إسرائيل» اليوم فرض «إسرائيل الكبرى» على كامل فلسطين التاريخية عن طريق الترهيب والتخلص من الشعب الفلسطيني، من خلال تدمير قطاع غزة بشكلٍ كاملٍ وإعادة التموضع الصهيوني فيها، ثم السعي لضم مناطق في الضفة الغربية تمهيداً لابتلاعها كاملة وهي خالية من سكانها العرب.
الطمع الصهيوني في غاز غزة
في مطلع العام ٢٠٠٠ اكتشفت شركة «بريتيش غاز وشركاؤها» حقل غاز يقع على بُعد ٣٦ كيلومتراً غرب مدينة غزة. وفي وقت لاحق من العام نفسه، قامت الشركة بحفر بئرين استكشافيّين هناك، وتعرف اليوم بـ «غزة مارين ١» و«غزة مارين ٢» وقدرت احتياطيات الغاز المحتملة بنحو ١,٤ تريليون قدم مكعب.
وفي العام ٢٠١٣ أعدّت الصحفية البريطانية فيليسيتي أربوثنوت تقريراً مفصّلاً يشير إلى أن الكثير من الثروات النفطية مملوكة لشعب غزة، كما أن الاكتشافات ليست كثيرةً في الجزء الإسرائيلي، لكن الاكتشافات الأكبر كانت في الجزء الفلسطيني من غزة والضفة الغربية والمناطق الواقعة بينهما. وحسب وثيقة رسمية من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، تم تسريبها في ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٣، فإن النقل القسري والدائم لـ ٢,٢ مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، أي «مخيم اللاجئين في مصر»، هو موضوع تفاوضت عليه «إسرائيل» والولايات المتحدة، لأنّه من خلال محو غزة من الخريطة، ستتمكن «إسرائيل» من مصادرة جميع احتياطيات الغاز البحرية في غزة، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
مشروع «قناة بن غوريون» الصهيوني
يسعى المشروع، الذي سُمّي على اسم مؤسس الكيان الصهيوني، ديفيد بن غوريون، والذي تم تصوّره في أواخر الستينيات، إلى إنشاء طريق بديل لقناة السويس التي تربط أوروبا وآسيا، وتؤكد هذه الخلفية الأهمية الاستراتيجية المحتملة لقناة بديلة، تسيطر عليها «إسرائيل»، في الديناميكيات المتطورة باستمرار في المنطقة.
إن «قناة بن غوريون»، إذا تم بناؤها، سوف تنافس قناة السويس وتتسبب في تهديد مالي كبير لمصر، وسيكون للكيان الصهيوني تأثير هائل على طرق الإمداد العالمية للنفط والحبوب والشحن. وقد أعلن نتنياهو في نهاية عام ٢٠٢٣ عن «ثورة في عالم المواصلات في إسرائيل»، تتضمن مشروعاً وطنياً للسكك الحديدية الخفيفة بقيمة ٢٧ مليار دولار، تزامناً مع الإعلان عن استئناف العمل في قناة بن غوريون، التي كانت مخططاً لها أن تعبر وادي العربة وتقطع غرباً قبل حوض البحر الميت عبر التلال، ثم تنحني شمالاً مرة أخرى لتجنب قطاع غزة. لكن مع تدمير شمال غزة بالكامل، تتجلّى خطة الصهاينة الخبيثة لخفض تكاليف المشروع عن طريق تحويل القناة مباشرة عبر وسط القطاع الفلسطيني.
في الخلاصة، إنّ الأطماع الصهيونيّة في قطاع غزة وما بين سطور العدوان المتكرّر واضحة لمن يريد رؤية الحقيقة، لكن المريب هو صمت الحكومات العربيّة إزاء المخطط الصهيوني لتطويع بلدانهم، والمعيب هو تغاضيهم عن نصرة الشعب الفلسطيني وعن المجازر الذي يتعرض لها أبناء غزة صغاراً وشيوخاً ونساءً، وهم الذين سيكونون حُكماً يوم القيامة خصومهم عند الله.