Site icon IMLebanon

زوربا اليوناني و«الإحباط السنّي»

ليس معلوماً ما كان يدور في خلد عضو البرلمان اللبناني الذي وضع اسم «زوربا اليوناني» في صندوقة الاقتراع الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية. كذلك يُجهَل ما كان يحوم في ذهن النائب وليد جنبلاط لدى إدارة حسابه على «تويتر» خلال يوم الانتخاب وذاك السابق له. قد تكون إحالاته على الانتخابات الرومانية قديماً على حسابه مجرد تهكم سوريالي غير هادف٬ تماماً كما كانت إشارة زميله البرلماني في ورقة الاقتراع٬ أو إشارته هو ربما٬ إلى بطل الرواية اليونانية المذكورة.

كانت جلسة الانتخاب سوريالية بالتأكيد، وكان القصد من تكرارها أربع مرات إثارة المرشح الرئيس الذي لازمته صورة الجنرال الغاضب دائماً٬ لكن ذلك لم يحصل. لا مُسقط ورقة زوربا ولا أي مما في جعبة المتحفّظين على الرئيس الجديد ميشال عون عطّل الانتخاب. لم يفرمله تململ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يملك مفتاح المجلس ونصابه٬ ولا أخّره إصرار المرشح الدائم من الآن فصاعداً سليمان فرنجية على التحدي بالأوراق البيضاء٬ ولا «تمردُ» بعض نواب «المستقبل» على زعيم كتلتهم سعد الحريري٬ ولا تمسّك النائب سامي الجميل وزملائه في «الكتائب» بشعار «ثورة الأرز». عكست جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان اللحظة التي تعيشها البلاد تماماً. كانت تاريخية ومعبرة عن كم من الهواجس والمخاوف٬ بقدر ما كانت هزلية. أعادت إنتاج شكل النظام بطريقة مختلفة للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية برغم ما شابها في الشكل٬ أو ربما ما جعلها أكثر إثارة، إذ بات رئيس الجمهورية ممثلاً لكتلة وازنة. لم يعُد مجرد مديرِ توازنات. أصبح له ثقل يُعتدّ به في الميزان.

ليس معلوماً ما كان يدور في ذهن الناخب الذي رمى بورقة زوربا في الصندوق. كانت مزحة عابرة على الأرجح. في منتصف خمسينيات القرن الماضي٬ رُشّح كاتب «زوربا اليوناني» نيكوس كازنتزاكيس لنيل جائزة «نوبل»٬ لكنه خسرها بفارق صوت واحد فقط لمصلحة الأديب الفرنسي ألبير كامو٬ الذي عُرف عنه إنتاجه المُعبر عن مدرسة فلسفية عدمية. جائزة رئاسة الجمهورية اللبنانية قبل يومين تجاوزت في دلالاتها عدد الأصوات٬ وهي حتماً لم تكن عدمية أو عبثية. فرمزيتها تتمثل بعودة «المكوّن» المسيحي إلى لبنان «الميثاقي». لكن الخوف أن تكون هذه العودة مجرد نقل لعدوى «الإحباط» المسيحي المزمن٬ منذ بداية التسعينيات وانطلاقة مرحلة «الطائف»٬ إلى المكوّن السنّي الذي يَخشى بعضُه أن ترتد على موقعه سلباً معارك الإقليم الممتدة من الموصل إلى حلب٬ في ظل تطييف مهول للصراعات.

الخوف أن يخسر مجدداً زوربا اليوناني٬ الذي يرمز إلى التعلق بالحياة٬ هذه المرة في الواقع اللبناني، أمام عدمية حروب الطوائف وعبثيتها في المشرق. ومسؤولية منع هذه الخسارة والحيلولة دون نقل عدوى الإحباط من مكوّن إلى آخر تقع على عاتق الجميع. لا هي توفر «حزب الله» ولا «التيار الوطني الحر» أو «تيار المستقبل». لكنها أولاً تقتضي البحث في ابتداع خريطة طريق تسمح بتقليص متدرّج ومحسوب لمنسوب طائفية النظام اللبناني. وهذا ليس بالأمر المستحيل. بل هو متاح إذا ما طبق أركان هذا النظام ما ورد على ألسنتهم في جلسة انتخاب الرئيس. والبداية من قانون الانتخاب.