IMLebanon

زوربا.. اللبناني ؟!

وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي ظهر على شاشة المرّ يوم الاربعاء مع الزميل وليد عبود، ليس بالتأكيد نهاد المشنوق الاعلامي والكاتب والسياسي الذي كنا نعرفه ونعجب بمواقفه وعقلانيته وحجّته، والمؤسف، كان غيابه تماماً عن الموضوعية في برنامج يحمل اسم بموضوعية، ولو ان عبود، ذهب الى الآخر باسئلته المحرجة، لكان كشف القناع عن المشنوق التقليد، واعاد الى الصواب، نهاد المشنوق الأصلي، لأن العاقل والموضوعي في هذا البلد التعيس، يعرف ان لا دولة في لبنان، بل هناك شركة، اسموها حكومة، تدير مصالح من هم في هذه الشركة ـ الحكومة، وبالتالي فان الدولة قد غابت من سنوات طويلة، وبالتالي فقدت هيبتها ودورها، ويأتي اليوم وزير الداخلية، وهو العارف بموت الدولة السريري، متسلحاً بهيبة ودور مفقودين، ليظهر لأهل وعائلات جنودنا المخطوفين، المعذبين منذ شهور بسبب جهل مصير ابنائهم الشهداء الاحياء، ان للدولة اسناناً تعضّ، وان قطع الطرقات ممنوع واذا ارادوا ان يتظاهروا ويقطعوا الطرقات ويغلقوا الادارات العامة والوزارات، عليهم ان يلتحقوا بعمّال الكهرباء الذين يملكون اذناً شرعياً بقطع الطرقات واحتلال الادارات، وبحماية الدولة العليّة. اما الأغرب من كل هذا، فهو تأكيد وزير الداخلية ان شهورا عدة سوف تمرّ على عملية المفاوضات السلحفاتية، وان على اباء الجنود المخطوفين وامهاتهم وزوجاتهم واولادهم، ان يعيشوا حياتهم، يوماً بيوم، وان يتعايشوا مع القلق القاتل والسؤال اليومي الدائم: هل يطلع الصباح على اولادنا وهم احياء؟!

*****

تذكرني اوضاع لبنان اليوم، ووضع الحكومة بالذات، والمسؤولين والموظفين الكبار في شكل خاص، بفيلم «زوربا اليوناني» للممثل الاميركي الراحل انطوني كوين، والمخرج المبدع مايكل كاكوناكس، وخصوصاً في مشهد المرأة التي تلفظ آخر انفاسها على فراش يحيط به اكثر من ثلاثين امرأة بلباس السواد القاتم، وما ان تتأكد النسوة ان الامرأة قد ماتت، حتى ينطلقن كالعاصفة في غرفة البيت ينهبن جميع محتوياته و«يتناتشن» عليه بعدائية وطمع مقززين، ابدع كاكوناكس في ابرازهما بشكل لم تعرفه السينما سابقاً، حتى ان بعض النسوة انتزع بعضاً من ثياب المتوفاة، ولما خرجن هاربات، كان البيت ممسوحاً تماماً.

كم يشبه هذا المشهد، وضع لبنان اليوم؟

المرأة هي الدولة، والنسوة عبارة عن زمرة من المسؤولين في جميع المؤسسات، يضاف اليهم عدد كبير من المحظيين والمحميين، ومن أكلة الجبنة، فالبعض «نتش» من الدولة قرارها، والبعض سيادتها، والبعض هيبتها، والبعض اموالها، والبعض ممتلكاتها، والبعض أمنها، وما يتكشّف اليوم من فساد وفضائح تطول كل جانب من جوانب الحياة في لبنان، يدل على ان النزاع الذي عاشته الدولة قبل ان تلفظ انفاسها، شجّع تقريباً جميع العاملين في الصناعة والزراعة والاستيراد والادوية والمياه، على اغتنام الفرصة واغرقوا الشعب «المعتر» بكل شيء فاسد، الى ان وصلت «مواصل» الفساد والتردي الى الفن والثقافة والعلم والاخلاق، واستبيحت حياة اللبنانيين، في الشوارع والطرقات وحتى في بيوتهم، كما حصل مؤخراً في بلدة بتدعي، وعلى طريق المطار، ومع ذلك، ما زال هناك «مسؤولون» يتبجحون، عن وجود دولة وهيبة وقرار، وهي ماتت «وشبعت» موتاً، وآخر مظهر من مظاهر موتها، ان الفراغ في البلاد، الذي يشبه فراغ بيت امرأة زوربا، سرق من اللبنانيين حتى عيد استقلالهم.