لم ينتظر وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر طويلاً هذه المرة كي يحسم الجدل القائم بشأن العقارات الأربعة الواقعة على الجزء الجنوبي من شاطئ الرملة البيضاء والتي كان فهد رفيق الحريري يرتّب صفقة بيعها لرجل الأعمال محمد سميح غدار. عقد زعيتر مؤتمراً صحافياً أمس فنّد فيه الوقائع التاريخية والمستندات، مؤكداً حرصه على حماية الأملاك العامة.
إلا أن هذا الحرص لم يترجم بضربه يده على الطاولة لاستعادة أملاك اللبنانيين وشاطئهم بل ساهم في تعقيد المشهد. والخلاصة: زعيتر بعد محافظ بيروت زياد شبيب، يرفع المسؤولية عن نفسه في قضية هي من صلب مهمات وزارة الأشغال والنقل.
بدأ الوزير مؤتمره بالحديث عن وضعية العقار 2231، أي العقار الأساسي والأكبر حجماً بين العقارات الأربعة (نحو 29 ألف متر)، فقال: «كان هذا العقار عام 1966 ضمن المنطقة الارتفاقية العاشرة رقم 6 لمدينة بيروت بالمرسوم رقم 4811 والخرائط موجودة.
حمّل وزير الأشغال المسؤولية للدوائر العقارية كما لو أنه يحلّ خلافاً على ملك خاص
وعام 1995 صدق تخطيط في نفس المرسوم التنظيم المشار اليه يقضي بتمديد كورنيش الرملة البيضاء من منطقة المسبح الشعبي شمالاً لغاية حدود منطقة الشياح جنوباً». وهنا، من المفيد لفت نظر زعيتر إلى أن المسبح الشعبي المرتبط مباشرة بالشاطئ الرملي يمتد من الصخرة الى الصخرة، أي بدءاً بالعقارات الثلاثة 2369، 4026، 4027 التي حاولت بلدية بيروت شراءها بالتراضي بقيمة خيالية تصل الى 120 مليون دولار، مروراً بالعقارات الأربعة (4285، 2233، 4011، 2231) التي يسعى فهد الحريري لبيعها، وصولاً الى العقار رقم 3689 أو «الايدين روك» الذي اشتراه رجل الأعمال وسام عاشور.
يتابع زعيتر أنه «بموجب المرسوم 14817 الصادر عام 2005 أصبح العقار 2231، المصيطبة، خاضعاً للمنطقة الارتفاقية العاشرة على 6 التي كانت مصدقة بالمرسوم 4811. ونظام المنطقة يسمح بالاستثمار السطحي والسكن 30 في المئة، وعامل الاستثمار واحد في المئة، يعني ضم هذه المنطقة الى العقار الذي هو ملك خاص». إلا أن الوزير لم يتنبه الى واقعة أنه يمنع منعاً باتاً البناء في القسم الممتد بين الكورنيش والبحر بحسب البند الأول من القسم السادس/ المادة الثانية من المرسوم رقم 4811/1966. وهذا التطبيق لم يُلغَ، بل تم تصديقه بواسطة المرسوم 14817 بحسب أسبابه الموجبة والتنظيم المدني وبلدية بيروت. وقد ورد حرفياً في مادته الثانية: «تخضع للنظام المذكور (4811/1966) العقارات الواقعة بين التخطيط الملغى بالمرسوم رقم 7505/1995 والبحر». ويفيد التذكير أيضاً بمضمون المرسوم 14699 الصادر عام 1957، الذي تكلم عن التنازل عن الملكية الخاصة لمصلحة الملك العام في ما خصّ القسم الغربي من العقار رقم 2231.
في إطار آخر، تنصّل وزير الأشغال خلال مؤتمره من مسؤولية وزارته في ما يتعلق بالأملاك العمومية البحرية، وحمّل كامل المسؤولية للدوائر العقارية، كما لو أنه يحلّ خلافاً بين أفراد يتنازعون على ملك خاص. إلا أن محور الحديث ليس سوى الأملاك العامة البحرية التي لا مرور للزمن عليها والمحددة بالقرار 144/س (حدودها شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى)، وهو بمثابة قانون. لذلك، يستحيل وضع تلك الأملاك تحت وصاية موظف في دائرة عقارية يمكنه الوقوع في الخطأ أو التلاعب بالخرائط والمستندات. يصعب تالياً فهم كيف أن الوزير يردد من جهة أكثر من مرة في مؤتمره أنه مؤتمن على الأملاك العامة ويدافع عنها، لكنه يضعها من جهة ثانية تحت رحمة الدوائر العقارية غير المخوّلة حسم الجدل في هذا الموضوع، فيما الأمر الايجابي الوحيد في كل ما قاله زعيتر أمس كان إعلانه توجيه كتاب الى وزارة الداخلية والبلديات يرى فيه أن إزالة الدرج المستخدم كممر للعموم يصل الكورنيش بالشاطئ الرملي والكيوسك والمنشآت التابعة له أمر مخالف للقوانين. فطالبها بوقف تلك الأشغال وإعادة الوضع الى ما كان عليه «لجهة كافة المنشآت التي كانت قائمة والمخصصة لتواصل العموم مع الشاطئ (الدرج وخلافه) والمنشآت الخدماتية التابعة لها».