قضية العسكريين المخطوفين تتحول شيئا فشيئا الى جرح نازف ومزمن. وكلما جفت العيون غذتها يد القاتل بشهيد جديد . ويتمادى القاتل في فرض منطقه المجرم تساعده في ذلك مشاركة من بعض الطبقة السياسية التي تستخرج من هذه المأساة مادة للمزايدات السياسية الطائفية المذهبية .
وقد حوصرت الحكومة بجملة لاءات جعلتها في موقع المقعد المتلقي ، لا للتفاوض مع الخاطفين ، لا لعمل عسكري يعرض حياة المحتجزين ، لا لحل يتوسل القضاء مخرجا ولو من منطلقات عادلة . تثبيت الحكومة بالكتفين على أرض الأزمة يسهم في افقاد الوسطاء المحليين والاقليميين الرغبة في الدخول على خطوط حل هذه الأزمة . ان ما يجري لم يسبق له مثيل ان يكون التكاذب والكيل بمكيالين وانعدام الثقة واختلاف الأجندات هي القواعد التي ترعى العمل الحكومي والكل عرف ولمس وشاهد كيف فاوضت فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة وحزب الله بالمباشر وغير المباشر من أجل اطلاق مخطوفيهم ومعتقليهم في الماضي والحاضر والمستقبل .
عيب وحرام أن يترك الآباء والأمهات والأبناء والأشقاء في هذه الحال طعاما للقلق يترجون السماء أن لا يكون أحد أبنائهم الضحية المقبلة . لقد تعبت أكتاف اللبنانيين من حمل الأجساد الفتية الباردة الى القبور وأتخمت الأرض من ابتلاع الشباب .
يبقى أنه للخروج من هذه المسخرة الدموية لبنان ، لبنان كله لا أهالي المخطوفين فقط ينتظر غبضة حق من الرئيس تمام سلام تخرج ملف العسكريين من الجمود القاتل الذي أغرق فيه .
في المقلب الآخر صعقة التيار الايجابية التي ضربت بها قوى 14 آذار الحياة السياسية المخطوفة لم تفعل فعلها لدى التيار الوطني الحر لكن قياداتها على ما يبدو لم تستسلم وستدق مرة أخرى باب حزب الله عله يفتح له أولا وعله يستغل ثانيا اللحظات الاقليمية المأساوية التي هي اكبر من التحالفات الجانبية ليمارس دورا ايجابيا على خط تحريك الاستحقاق الرئاسي .
في الانتظار اليوم كان يوم الرقيب الشهيد علي السيد . لبنان كله بكاه ومن خلال بكى دولة تنهار لكن الحرقة الكبرى كانت في الشمال الذي اتشح كله بالسواد حدادا عليه والقلوب على رفاقه الذين لا يزالون في الاحتجاز .