على مرمى ليلة من ذكرى حرب تموز قبل تسع سنوات، تسقط طائرة تجسس إسرائيلية في مرفأ طرابلس. وهي الثانية في غضون شهر، بعد طائرة البقاع الغربي.
تسع سنوات وإسرائيل تستطلع أرضنا وتخرق “سمانا”. فيما اللبنانيون على الأرض السياسية، يستطلعون قواهم ويمتحنون قدراتهم ومواهبهم في الميدان وداخل المؤسسات، الممددة منها والمعطلة على حد سواء. ويقف فريق من اللبنانيين على خراب هذه المؤسسات، طارحا الفيدرالية كخيار. وهذا الفريق لم يكن سمير جعجع صاحب شعار “من كفرشيما للمدفون” و”حالات حتما”. إنما هو جنرال تأسست شعبيته على مناهضة شعارات الحكيم ومشاريعه التقسيمية.
يقول العماد ميشال عون، في معرض توضيحه للفيدرالية، إنها حل لكنها تحتاج إلى توافق ولن نطالب بها إلا إذا غلبنا. والجنرال كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء، ويفتح على نفسه وشارعه وكر “دبابير”، ويدفع المسيحيين إلى العزلة. فهو من زعيم وطني على مستوى لبنان ومشروع رئيس للجمهورية، إلى حاكم ولاية ثلث جبل لبنان، ورئيس على مقاطعة تمتد جغرافيا من جسر الواطي إلى جزء من المتن وكسروان، مع عزل البقية المسيحية في الجنوب والبقاع والشمال.
من هنا جاءت مخاوف زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي سأل: عن أي فيدرالية نتكلم، فيدرالية تبدأ من وادي شحرور وتنتهي بزغرتا؟ وحينذاك ماذا نقول لابن رميش وزحلة وجزين؟ هل نقول له تهجر أو نطالبه بإلغاء نفسه، فإذا كنا نحلم بالتقسيم فنحن نرتكب الخطأ مجددا، لأننا كمسيحيين لا يمكننا القول لشريكنا إننا نرفض العيش معك، وفي هذه الحال هل يقبل الآخر بماروني قائدا للجيش أو حاكما لمصرف لبنان؟.
قلق فرنجية يضرب في عمق الهواجس الوطنية. فماذا يتبقى من دولة حلم بها الجنرال عون إذا بدأنا مشاريع تفتيتها، وبنينا الحلم على تقسيم جبل لبنان إلى ثلاث مقاطعات مسيحية ودرزية وسنية.
الجنرال، وعلى الرغم من التوضيح، يتقوقع في طروح معزولة يجب ألا يدفع إليها حتى وإن شعر بالغبن، وإن أصبحت الفيدرالية آخر الحلول طرحه الذي حارب به سمير جعجع ثلاثين عاما لا يفرضه على المسيحيين اليوم وتاليا على كل اللبنانيين. أخطأ الجنرال في الفيدرالية طرحا وتصحيحا، ولن يجد له مناصرين يهتفون خلفه دعما للتقسيم. لكنهم جاهزون حتما لتبني انتفاضته على التمديد، واعتبار مجلس النواب مؤسسة غير صالحة لا لانتخاب الرئيس ولا لسن القوانين.
على مستوى التحركات السياسية والميدانية، فهي مجمدة بكل ألوانها بفعل دخول البلاد الأسبوع المقبل أجواء عيد الفطر. هذا العيد الذي لن يمر على سوريا والعراق وليبيا واليمن إلا باللون الأحمر. وإذا كانت اليمن قد وعدت بهدنة إنسانية، فإن هذا المسعى قد توقف بعد إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية، أنه لم يتلق أي طلب من الحكومة اليمنية الشرعية في شأن الهدنة، وبالتالي فإن هذا الطللب غير ملزم لقوات التحالف.
موقف هجين، فالرئيس اليمني الشرعي في ضيافة السعودية. والحكومة اليمنية تقيم في المملكة. وعن أي طلب تتحدث السعودية ما دامت تتحكم بالأمر والنهي عن القصف من أراضيها. وقادرة على التحدث باسم الرئيس وأعضاء الحكومة الذين هم ضيوف ليديها. ثم إن الهدنة الإنسانية وأفعال الخير في عيد الفطر، لا تتطلب موافقة رسمية وتكاد تشبه المكرمة التي اعتادتها المملكة.