أكثرُ ما يزعج أميركا عموماً وجون كيري خصوصاً التدخّلُ في شوؤنِ الدول الأخرى.. لكنّ وزيرَ الخارجية الأميركي وفي أثناء ترجمتِه لمشاعره تلك .ضَمّن مؤتمرَه الصِّحافيّ أكبرَ منسوبٍ من التدخل. هو رَسَم رؤساء.. وَضَع مواصفات.. تطوّع في القواتِ المسلحة.. ناصر إسرائيل.. عادى حماس.. منحَ النازحين أموالاً. لا تذهب إلى المؤسسات الحكومية اللبنانية. كيري ضِدُّ الفراغ.. استبشرَ برئيسٍ في خلالِ أيام.. وحدّده بمزايا القويّ.. طالب بحكومةٍ بعيدةٍ مِن التدخل الأجنبيّ لكنّه استثناء في هذا التدخل.. والمطلَب الذي مرّره بين المطالبِ الأميركية أنه يريدُ رئيساً للبرلمان يستجيبُ لحاجاتِ الشعب اللبناني.. وهنا نِصفُ الدنيا. فكيري رَفع التكلِفةَ وهزّ مملكةَ بري.. وَقع الدبلوماسيُّ الأميركي في مِنطقة الجَزاء.. لكنّ التسديدة ستكونُ لرئيس المجلس وحدَه الضليعِ عند خطوط الهجوم والدفاعِ معاً.. وهو إذا وجّه كلامَه اليوم إلى أطراف الداخل قائلاً لهم: ستَسمعونَ مني ما لم تسمعوه.. فكيف بالوافدينَ مِن الخارج؟… في العناوينِ السياسية لفَت في كلام وزيرِ الخارجيةِ الأميركي دعوتُه روسيا وإيران إلى العملِ معاً لوضعِ حدٍّ للحربِ في سوريا. ولم يُعطِ تفسيراتٍ توضيحيةً عما إذا كان يطلُبُ مِن هاتين الجهتين الاستعجالَ في الحسم العسكري وتخليص أميركا والغرب من الإرهاب أو الانسحاب من المعارك. ولما كانت رؤية كيري للحل في سوريا سياسية فيما بعد. فإنَّ في ذلك دعوةً إلى إشراكِ إيران وحزب الله وروسيا في هذا الحلّ لكونِها أطرافاً لاعبةً ومقررة.. وإلا فلا حلولَ من طرف واحد. وسبق واختبرتْها أميركا والأمم المتحدة في جنيف اثنين… في بندِ المساعدات فإنّ حِصة لبنان منها هي واحدٌ وخمسون مليونَ دولار على أنّها لن تتسلّمَها الخزينة بل تذهبُ إلى جمعياتٍ ومؤسساتٍ من خارج جداولِ الصرفِ الرسمية. وبواحدٍ وخمسين مِليوناً لم نتسلمْها يريدُ كيري شراكةً معَ الدولةِ ودعمَ القواتِ المسلحة والعملَ معَ شركائه المحليين.. فمَن هم شركاؤه؟. وكيف يعملُ مع دولة لا يأتمنها في المال ولم يصلها منه أي ورقة بفتح اعتماد؟. هذه الأسئلةُ قد تكونُ أيضاً في ذهنِ رئيس المجلس الذي استقبلَ الوزير الأميركي مساءً في عين التينة وتردّد أنّ بري سيخرجُ بموقفٍ مكتوبٍ بعد اللقاء. وقبل كيري أجرى رئيسُ المجلس تمريناتٍ في العضلِ السياسيِ من خلالِ تصريحِه للسفير ولقائه الجنرال ميشال عون بعد ضهرِ اليوم الذي كانَ أولَ مَن وقعَ عليه التصريح. وبدأ بتمهيدٍ لخطِّ العودة إلى الجلسات. وكان بري قد استنهضَ الشرَّ المستطيرَ وأعلن أنّ فترة السماح تكاد تنتهي وأنّ كيلَه أوشك أن يطفحَ ونصح السياسيين أن يُعيدوا النظرَ في موقفهم سريعاً درءاً لما لا تُحمَدُ عُقباه. وفي تفسيرٍ عملانيّ لهذا الموقف.. العين بالعين.. والحكومة بالمجلس.. والبادىءُ بالتعطيل أظلم.