أهالي المخطوفين، مخطوفين. يسرقون في وضح المدينة، ويتحول يوم التضامن معهم إلى “هايد بارك” مفتوح لمن يريد توجيه الرسائل.
تحمل “هيئة العلماء المسلمين” قضيتهم إلى الجرد، فتزنرها بحزام ناسف. تتطوع للتفاوض وتقرر العبور إلى الخاطفين من دون تكليف، فإذ بأحد شيوخها يصبح موقوفا بعد أن تضبطه قيادة الجيش “حامل محمل” بالحزام والبنادق والرصاص. فإلى من أوكلت قضية العسكر المخطوف؟ وكيف تسلل الشيخ حسام الغالي برفقة أربعة مشايخ مرافقين إلى وادي حميد بلا ترتيبات تضمن سلامته؟
“هيئة العلماء” استنفرت لتوقيف شيخها المفاوض بعدة مدججة. لكن ثورتها تشبه أيام غضبها عندما جرى الاعتداء على الجيش وخطف العسكر وقوى الأمن من بيوتهم وحواجزهم، ولم تر الهيئة من هذا المشهد في حينه سوى حصار عرسال. ولأن التاريخ لم يطمره التاريخ بعد، فلنعد بالذاكرة إلى شهر آب، وقتذاك فرضت الهيئة وقفا لإطلاق النار ما سمح ل”النصرة” و”داعش” بالإنسحاب من عرسال واصطحاب الرهائن العسكريين معهم. ألم يقل مصطفى الحجيري “أبو طاقية” إن العسكريين بأمان في منزله حينها؟ فمن فك أسر عرسال وأسقط عليها الهدنة؟ ولو لم تفعل “هيئة العلماء” لما كان العسكر اقتيد إلى الجرد.
من نكلف نحن اليوم؟ وحتى لا يأخذنا التحليل، فلنلق نظرة على صفات هذه “الهيئة” من رئيسها، من مالك جديدة الذي غادرها كاشفا مسارها وارتهان علمائها وسعيهم لقبض الأثمان، وبيان استقالة الجديدة لم يطوه الزمن. وعلى الرغم من ذلك ارتضى لبنان الدولة بدور “الهيئة” ومنحها زيارات رسمية والوقوف عند رأيها. لكن تصاريح شيوخها جاءت لتساوي العسكر المخطوف والذي يتعرض للإذلال يوميا، بالمساجين في سجن رومية والذين يعيشون في “مربى الدلال”، وينتفضون إذا سولت القوى الأمنية لنفسها قطع الـ”ثري جي” عن العنابر المصنفة أولى.
و”هيئة العلماء” هالها “خطف” نساء “النصرة” في لبنان، وكاد الشيخ سالم الرافعي يذرف الدمع على سجى وعلا اللتين تخضعان لحكم القانون. لكن، من بكى على أم علي البزال المخطوفة؟ من داوى جرح أبو محمد حمية عندما تجاسر ورفض شروط الخاطفين، وهو العارف أن ابنه أصبح على حد السيف؟
فالرأفة بالأهل قليلا، وسحب قضيتهم من الشارع وأولاد الشوارع. وكفى تعريضهم للمهانة. إنصافهم إنسانيا هو في إنقاذهم من كل هذا الصف المفاوض، وحصر قضيتهم بين أيدي الأمن بلجنة ثلاثية يتقدمها الجيش. والأهالي يدركون أكثر من أي شارع آخر، أن أبناءهم عندما اختاروا السلك العسكري، فكل عنصر منهم أصبح مشروع شهيد أو أسير أو متقاعد أو منتصر في المعركة.
والرأفة بالأهالي تنسحب على من يريد توضيب زعامة على نفقة الأهالي. فمن هو الشيخ عمر حيدر الذي أعلنها ثورة اليوم من ساحة الاعتصام؟ أي دور يسند إليه ليتبرع بالتحول إلى “داعش”؟ فذوو المخطوفين هم ذووهم وأقرباؤهم، فإلى أي مخطوف ينتمي الشيخ عمر؟ لا صلة قرابة تجمعه بأي من العائلات، وعليه فإن صلة الرحم لن تسمح له بخطف الأهالي مرتين، وكفاهم ثورة على إسم قضيتهم.