قدر “حزب الله” ولطف. فموقعة الأضحى لم تكن تفصيلا ينتهي باستنكار أو تأييد، ولا هي زيارة تفقدية لجرود بريتال، بل مسرب وثغرة مطلة على مدن لبنانية كان يراد غزوها والإقامة فيها، كالحال في عرسال. فماذا لو لم يكن على تلك الجرود رجال للدفاع؟ أي حال كنا فيها؟ من المرجح أننا كلبنانيين كنا جميعا قد أصبحنا ضيوفا عند أبو مالك التلة أو ما يعادله من مقامات إرهابية.
قد يعتقد البعض أن غزوة الأضحى مجرد تمريكة خاطفة على مواقع “حزب الله” في الجرد. وأن “النصرة” كان لديها ساعتا فراغ بعدما سيطرت على القلمون، فآثرت القيام بنزهة عابرة إلى مناطق مأهولة حزبيا، تسللت، تسلت بالقتل، غنمت وغادرت سالمة. فهل هذا هو المخطط؟
في دراسة لجغرافيا المنطقة، أن نقاط التسلل جاءت من جرود رأس المعرة- النبك- يبرود بالمئات، إن لم يكن بالآلاف. وأن هدفها كان ربط جرود بريتال بجرود يونين- عرسال، وتأمين ملاذات دافئة في الشتاء. ولو نجحوا في شق الطرق، لأشرفوا على سلسلة يدخلون منها إلى لبنان، ويستوطنون قرى أمامية.
لكن فيديو وبيان “جبهة النصرة” جاء ليعرض أهدافا مغايرة، ويؤكد أن عناصره دخلوا المراكز وغنموا أسلحة وانسحبوا منها سالمين، ولم يسقط لهم سوى قتيل وجريح واحد. فإذا كانت معركة “النصرة” في جرود بريتال نظيفة وسهلة وبلا خسائر، وجرت “متل المي بالنزول”، لماذا انسحبوا وهم يمنون النفس بممر واحد؟ لماذا لم يمكثوا في المواقع ويحتلونها وهي نقاط إستراتيجية لهم؟ ما الذي منعهم أثناء المغانم من أسر عناصر للحزب أحياء أو شهداء؟ لماذا التخلي عن أرض خصبة لو تحصنوا فيها لحققوا حلم قائدهم أبو مالك التلة بالوصول إلى بيروت؟
غير أن رجالا قاوموا على الجبهات، ونفذوا كلام سيدهم عندما قال: مخطئ من يظن أن بإمكانه الوصول إلى بيروت فنحن ما زلنا على قيد الحياة.
لبنانيون كثر لم يعوا خطر غزوة العيد. وأول رد فعل من الدكتور سمير جعجع، جاء ليؤكد نظريته بأن على “حزب الله” الخروج من سوريا، وفاته أن الحزب كان في لبنان هذه المرة، وفي أراض كادت تصبح محتلة، ولو استكملت “النصرة” طريقها إلى القرى كانت ستشرب الشاي في معراب.
من أقدم على إدانة الغزو؟ أي خطر شعرتم به و”النصرة” تتقدم؟ لا تشكروا رجالا على الجبهات، بل إرفعوا أصواتكم لتسليح الجيش لكي يتمكن من صد أي هجوم مماثل إذا وقع وهو سيقع. ضعوا الدول عند حدها، وطالبوا بتنفيذ وعودها الواهمة بالتسليح. دينوا “حزب الله” ودخوله إلى سوريا، وبالمناسبة مرروا إدانة بسيطة لدخول “النصرة” إلى لبنان، فما حصل كاد يلف هذا الوطن الناصع بالعلم الأسود.