هل تدخُلُ غزةُ الألفيةَ الثانيةَ في الشهادة أمِ الهُدنةُ الممددةُ أربعَ ساعاتٍ إضافيةٍ ستُعطي فرصةً لتقدّمِ مفاوضاتِ وقفِ النار حتّى الساعةِ غزةُ فاقت ألفَ شهيدٍ لكنّها لا تساوم ووعدُ الشهداءِ عليها أن يُرفَعَ الحصار فهؤلاءِ لم يَموتوا لكي تحيا الصفَقاتِ التي تضمَنُ أمنَ المُستوطنينَ من دونِ الغزِّيين، وأيُّ صفْقةٍ غداً عليها احترامُ دماءِ الذين رحَلوا والاحتفاظُ بحقوقِهم ضِدَّ عدوٍّ انتهكَ علاماتِهم المدَنيةَ واستهدفَهم في طفولتِهم في حُرمةِ نومِهم في مستشفياتِهم وفي مدارسِهم ومقارِّ الأممِ المتحدةِ التي لجأُوا إليها، وما تعلّموا مِن تَجرِبةِ قانا الأولى وما اعتَقدوا أنّ الأممَ المتحدةَ ليس لديها أرفعُ مِن عِباراتِ الاستنكار وأنّها منظمةٌ لا تجرؤُ على المطالبةِ بحقِّها فكيف سـتحصّلُ حقوقَ الناس لكلِّ مَن رَحلوا فإنَّ حقوقَهم لا تُنتزعُ إلا بما تَخشاهُ إسرائيلُ وتَهربُ منه كالجرذانِ وتتخفّى في مطاراتِ العالمِ ككِيانٍ مطارَد.
وأولُ الغيثِ دَعوى رفعَها المحامي الفرنسيّ جيل ديفير إلى المحكمةِ الجنائيةِ الدَّوليةِ باسمِ وزيرِ العدلِ الفلسطيني المقيمِ في غزةَ سلام السقا ويتّهمُ فيها إسرائيلُ بارتكابِ جرائمِ حربٍ في إطارِ عمليةِ ما عُرفَ إسرائيلياً بالجُرفِ الصامد.
وسبقَ لقادةٍ إسرائيليين أن لوحقوا بتُهمٍ مماثلةٍ عامَ ألفينِ وتسعةٍ بعدَ رفعِ دعوىْ ضدَّهم أمامَ القضاءِ البريطانيِّ لاتهامِهم بقتلِ ألفٍ وأربعِ مئةِ فِلَسطينيٍّ في الحربِ السابقةِ على غزة وكان يتخفّى كلٌّ مِن تسيبي ليفني وإيهود باراك ودورون ألمونغ كاللصوص في أثناءِ تنقلاتِهم الجوية وبعضُهم أُنزل من الطائرةِ وأُعيد إلى كِيانِه.
اليومَ بالإمكان صنعُ أكثر وكلُّ قياديٍّ إسرائيليٍّ مُتهمٌ بقتلِ ألفِ فِلَسطيني ولتبقى أرواحُ الشهداء تلاحقُ من أزهقَها في مطارات العالَم ولهذا الهدفِ تبرّع محامٍ فرنسيٌّ برفعِ شكوى لكنْ ليس لدى العربِ محامونَ إلا لتسويةِ أوضاعِهم الشخصية وترميمِ ما يخّلفُه أبناؤُهم من تجاوزاتٍ في بلادٍ متحضّرة.
غزة لم تعدْ تريدُ الرثاء ولا الكلامَ الجارفَ بالعطف ومنه ما أُطلقَ اليومَ مِن قاعةِ مجلسِ النواب اللبناني. وإذا كانت خِطاباتُ النواب اليومَ قد خَرجت بتوصيةٍ لها تقديرُها، فإنّ الخُطوةَ الأجدى هي تفعيلُ التوصيةِ وتحويلُها إلى شكوىْ ضِدَّ إسرائيل ولنكن أولَ بلدٍ ذي وجهٍ عربيٍّ يَحفَظُ ماءَ وجهِه ويَدّعي على عدوٍّ سبقَ لنا أن اختَبرنا أضرارَه المدمّرةَ في اجتياحاتٍ عديدة.
لبنانُ الذي تضامنَ معَ غزةَ ومَسيحيي الموصل لم يجدْ بعدُ السبلَ للتضامنِ معَ نفسِه في كارثةِ مالي حيثُ مكانُ وقوعِ الطائرةِ الجزائريةِ لا يؤشّرُ الى أيِّ معطياتٍ عن اشلاءِ تسعةَ عشَرَ لبنانياً قضَوا في الحادث وغداً سوف يتوجّهُ الوفدُ اللبنانيُّ الرسميُّ إلى مالي للمتابعةِ فيما استبعدَ وزيرُ الخارجيةِ جبران باسيل وجودَ أيِّ عملٍ إرهابيٍّ بناءً على اتصالاتٍ أجراها معَ المعنيين.