هو زمنٌ أصبح فيه رئيسُ سوريا يُنتخبُ من لبنان. لم نَملِكْ يوماً موهبةَ تقريرِ مصيرِ رؤساءِ الدول.. ولَطالما كُنّا بلا مواهب ونَستدعي الآخرينَ لاختيارِ رأسِ دولتِنا. ودمشق على وجهِ الدقة كانتْ لاعباً أول في تسميةِ سيدِ القصر.. وإذ بنا اليوم وعلى مرمى فراغِ القصر نشهدُ على اجتياحٍ للاقتراع.. وأوراقُ بشار الأسد تُفرزُ من بعبدا.. وبخلافِ دولٍ عربيةٍ لم تَسمحْ للرعايا والنازحينَ السوريين بفتحِ صناديقِ الاقتراعِ على أراضيها كان لبنان عبارةً عن سِفارة.. يَؤُمُها بحرُ النازحينَ المتزاحمينَ على بوابةِ الانتخابِ الواحدة مكاناً وترشيحاً… المشهدُ استثنائيّ.. بالتدافُعِ الذي قارَبَ الغزْو.. بحصارِ الناسِ والتلامذة داخلَ وسائلِ نقلِهم.. بحَصريةِ الاقتراعِ في مكانٍ واحدٍ ولرئيسِ واحد… المركزيةُ الانتخابية بَيَّنت “صِفْر” التنسيق بينَ الدولةِ اللبنانية ومِلفِ النازحين.. فالسلطةُ المحليةُ ظَنّت أنّ فراغاً في بعبدا سوفَ يُضفي سكوناً على المِنطقة.. وأنْ لا حركةَ رئيسٍ ستُسمعُ في محيطِ القصر.. فإذ بها تَصحُو على جيوشٍ تَقتحمُ وتُقارعُ لتَقترِع. بعبدا الوحيدة.. أصبحت في لحظةِ انتخابٍ دياراً لاتزالُ الرئاسةُ فيها عامرة… اللبنانيون تَندَّروا على بِئسِ الزَمن.. على بلادٍ تموتُ وتَنتخب.. وعلى وطنٍ بألفِ سلامٍ.. يموتُ ولا يَنتخب. ليسَ ذلكَ وحَسْب.. بل نحنُ قادرونَ على انتقادِ الغيرِ والحُكمِ ببُطلانِ الانتخاباتِ السورية وإدراجِ عشراتِ آلافِ الذين اقتَحموا المشهدَ الانتخابيَ تحتَ صنيعةِ الاستخبارات.. وإذا ما اعتَمدنا التحلُلَ السياسيَ للأمانةِ العامة لقُوى الرابع عشر من آذار فإنَّ ما قامَ به السوريونَ اليوم هو عَراضاتٌ واستفزازات.. وأنَّ صِفةَ النزوحِ لا تَنطبِقُ عليهم ووَجَبَ ترحيلُهم فوراً… وللأمانةِ العامة أنَّ أحداً من القياداتِ اللبنانية أو ما يعادِلُها في الصفوفِ الخلفيةِ ما عادت له صِفةُ الاختصاصِ في التنظيرِ بعدَ ارتكابِ جرائمِ الفراغِ الواعدِ بتطييرِ بقيةِ المؤسسات. ومَن حقّقَ الفشلَ معَ مرتبةٍ أَسقطتْ شرفَ المؤسساتِ. لن يكونَ مطلوباً منه سوى إعلانِ العجزِ والصمت.. وليَدَعِ الدولَ المقرِرة تُنتِجُ له رئيساً. فلن يَحُقَّ له انتقادُ انتخاباتِ الآخرينَ وهو محبوسٌ في قانونِ انتخابٍ آخذاً البلادَ إلى صحراءَ قاحلةٍ من المؤسسات… هذا الوضعُ سيَطول.. وبحسَبِ النائب وليد جنبلاط فإننا: في انتظارِ المَهدي. ويقولُ جنبلاط لموقعِ الانتشار أنْ لا جديد على صعيدِ انتخابِ الرئيس.. وليس لديه أيُ مبادرةٍ حتى الساعة… مرصَدُ جنبلاط السياسي يبدو لاقطاً.. إذ إنّ إيران وَضعتْ جدولَ أولوياتِها للقاءٍ معَ السعودية يتضمنُ مِلفاتٍ ساخنةَ في اليمن والعراق وسوريا.. ولا يقعُ لبنان على جدولِ البحث.. ما يعني أن ظهورَ الإمامِ المهدي لن يكونَ في عصرِ.