أصبح إبني الآنَ شهيداً، إلى الجبهةِ الأمامية خُذوني معَكم، هي كلماتٌ لأبٍ مفجوعٍ عاجلتْهُ غُصةٌ ما حَرقتْ إلا موضِعَها فبكى دمعتينِ وعُنفواناً، وبكبرياءِ المنتصرِ على الذبّاحِ قال بليغَ الكلام أنا وأبنائي مستعدونَ للذهابِ إلى خطوطِ النار.
صرخةُ والدِ عباس ليست وليدةَ لحظةِ غضبٍ على حياةٍ انتهتْ عندَ حَدِّ السِكين بل هي نابعةٌ من حِسِّ الانتماءِ إلى مؤسسةٍ وطنيةٍ يتظللُ بشرفِها وتضحيتِها ووفائِها شعبٌ فَقَدَ الإيمانَ بدولةٍ بِلا رأس وبحكومةٍ لا تجتمعُ إلا على الاختلاف.
استشهادُ عباس مدلج على يدِ تنظيمِ الذبّيحة استَعجلَ انعقادَ خليةِ الأزمةِ الوزارية فثمّنتْ موقِفَ والدِه الذي لا يُقدَّرُ بثَمن إذ أصبحَ المطلوبُ قراراً بمستوى الخَسارةِ وبمستوى الخطرِ الذي يتربصُ بلبنانَ من سهلِه إلى جُردِه التداولُ بالتطوراتِ ما عادَ بمستوى المعركةِ ضَدَ الإرهاب والنأيُ بالنفسِ ما عادَ يَنأى بنا عن داعش والنُصرة المتغلغلين بينَ ظَهرانينا وعندَ حدودِنا وفي مُدنِنا وقُرانا، وآنَ الأوانُ لخليةِ الأزمةِ الوزارية أن تَنسُجَ الغِطاءَ السياسي وتُعطي الضوءَ الأخضرَ لجيشٍ وطنيٍ قادرٍ على القيامِ بالهجومِ المعاكس ويَملِكُ من عقيدةٍ ما يجعلُهُ قادراً على هزيمةِ داعش وأخواتِها وإنهاءِ وجودِ الإرهابِ على الأراضي اللبنانية وبالأخص في جرودِ عرسال.
زمنُنا ليس زمنَ الانتظارِ على قارعةِ الملياراتِ لدعمِ عسكرِ لبنان، فسابقاً خُضنا معركةَ نهرِ البارد بسلاحٍ سوري، وفي جواريرِ حكومتِنا والحكوماتِ السابقة عروضٌ إيرانيةٌ وروسيةٌ مجانيةٌ لمَدِّ الجيشِ بالعَتادِ والسلاح، فعَلامَ التلكؤُ في فَضِّ مَظاريفِها إذ تَقتضي المرحلةُ قراراتٍ بمستواها؟
داعش والنُصرة لم يَكتفيا بالخطفِ والإعدامِ ذبحاً بل أَصدرا أحكاماً بعدمِ التعرضِ للنازحينَ السوريينَ وإلا، إلاّ أن نُقطةَ الفصلِ بالنسبةِ إلى وزيرِ الداخلية نهاد المشنوق هي في إبعادِ اللاجئينَ السوريينَ عن عرسال ونقْلِهم إلى نُقطةٍ محددةٍ في الداخلِ اللبناني أو أيِ مكانٍ آخر ولا مكانَ آخرَ أنسبَ لهم إلا بلادُهم ومدنُهم التي أصبحت أكثرَ أمناً من شَتاتِهم فيا ساستُنا أَعِدُّوا ما استطعتم من رأيٍ موحّدٍ قبلَ أن تتحولَ عرسال إلى إمارة، وقبل أن يَفلِتَ الشارعُ من عِقالِه بالخطفِ المضاد ويُطبِّقَ شريعة، العين بالعين والسن بالسن، والبادي أظلم.