بيوت السياسة فارغة وديار بيت الكتائب عامرة. إنتخابات، صناديق، أوراق انتخابية، فرز أصوات، حركة مرور من وإلى الصيفي، ومرشح أقرب إلى الواحد، سامي الجميل، مع متطوع آخر للترشيح هو بيار عطاالله رئيس إقليم الكتائب في مرجعيون حاصبيا.
وسامي سياسي يتمتع بمشروع الزعامة. له بصمات شبابية ريادية من لبنانه إلى لبناننا. صوته في ساحة النجمة رفيع لكنه مدو. يلتقط إشارات الناس، وإن تخفى أحيانا وراء “ناضور”. ومن كان يتمتع بهذه القيادة، لم يكن في حاجة إلى انتخابات وراثية صورية، يستقدم إلى صناديقها مرشح ثان لضمان المنافسة غير المتكافئة، مرشح يكرر تجربة حسان النوري عندما نافس بشار الأسد في الانتخابات السورية، وهو القادم من بيت النظام.
سامي، أسد “الكتائب”، خاض انتخابات كان من الممكن تفاديها لكونها أشبه بالتعيين، فهو يحتكم على إرث سياسي أضاف إليه شخصية واعدة، سواء بالتواصل بين التشكيلات السياسية اللبنانية أو عبر رؤيته الطليعية ونبذه الطائفية. ومن امتلك هذه المقومات لن يحشر نفسه في انتخابات بلا منافسين، وراثية جدا عن أب.
أما تقديم “الكتائب” على أنه حزب خاض انتخابات عبر التاريخ من خارج العائلة المالكة، فتلك واقعة غير مثبتة إلا في حالات الوصاية السورية على لبنان وأحزابه. ففي تجربتي إيلي كرامة وجورج سعادة، لم يأت رئيس من آل الجميل، لأن الشيخ أمين كان يشغل منصب رئيس الجمهورية، فيما أولاد آل الجميل كانوا حينذاك في حضانة “الكتائب” ولم يدخلوا مدرستها بعد لصغر السن.
وفي التسعينيات استكمل سعادة ولاية ثانية، ثم منير الحاج وكريم بقرادوني. والرؤساء الثلاثة حكموا برعاية الزمن السوري. لكن الانتخابات جرت اليوم، وربما تكون إيجابيتها أنها ذكرت اللبنانيين بالصندوقة الانتخابية في عصر يتقاسمه الفراغ والتمديد.
والشغور ليس في المؤسسات فحسب، بل في الأنشطة المتجمدة سياسيا، وغياب جلسات الحكومة أسبوعا آخر.
الفراغ المدوي محليا، يقابله زخم دولي- عربي، في طليعته إقلاع طائرة الحوار في اليمن، وجلوس الأفرقاء المتحاربين على طاولة جنيف برعاية الأمم المتحدة. المحادثات اليمنية- اليمنية جاءت بتخصيب سياسي من سلطنة عمان، اللاعب الشاطر في قضايا المنطقة، والذي لم يتعاقد إلا مع الوصول إلى النهايات، إلى درجة أنها أصبحت مسقط رأس الحلول العربية والدولية في آن، من الاتفاق النووي الإيراني وصولا اليوم إلى أزمة اليمن.
والسلطنة لا تقرب السياسة من دون قراءة أفقها الدولية. وعندما بدأت عملية الجمع، فإنها أخذت علما واستمعت إلى خبر لقاء الرئيس أوباما ولي العهد وولي ولي العهد السعوديين، وهو أبلغهما أن ضرب اليمن يوحد اليمنيين ضدكم ولتذهب المملكة إلى الحلول السياسية.
وفي الألعاب الدولية، فإن رئيس المحكمة الجنائية لا يكاد يرصد الرئيس السوداني عمر البشير وقد أقلعت طائرته إلى دولة خارج حدود السودان، حتى يسيل لعابه متحمسا للقبض عليه. لكن مورينو أوكامبو لم يصله علم وخبر بعد، بأن البشير رئيس محمي بصفقة دولية، وأن هذا الرئيس كان جالسا إلى جانب بان كي مون في قمة شرم الشيخ في آذار/ مارس الماضي، ولو أراد القبض عليه لأوعز إلى صبيانه في الخارج توقيفه وسوقه إلى المحكمة الجنائية، لكن البشير نفذ ما طلب منه وقدم جنوب السودان هدية دولية، فسقطت الأحكام عنه، وهو سيعود من جوهانسبورغ اليوم إلى الخرطوم، لتبقى خراطيم أوكامبو متأهبة.