اليومَ أكملت قافلةُ شهداءِ القنيطرة المسير، وحلت في النعيمِ المقيم، تأخَّرَ عباس ومحمد قليلاً عن اللحاقِ بالرفاقِ الى العليِ القدير، سيسامِحانا عن استمهالِهما بُرهة، لكنْ لو سئلا لاختارا الرحيلَ منذُ أمدٍ بعيد.
في بلدةِ الغازية كانَ المشهدُ مَهيبا، الشهيدُ عباس حجازي تهادى الى جانبِ والدِه على أكفِّ المجاهدينَ والمحبينَ في الطريقِ الى جناتِ النعيم. أبى عباس أن يتخلفَ عن من أرشدَه سبيلَ الجهاد، وكانَ له فيهِ صولاتٌ وجولات. استأذنَ فِلذةَ كبدِه ابنَ الاسبوعينِ ومشى. عذراً وَلَدَاهُ، لا خوفَ عليكَ من بعدي، فالعصرُ عصرُ جهاد.
من بلدةِ عين قانا في عليائها كانَ الشهيدُ محمد علي أبو الحسن يطوفُ بروحِه ملقياً التحيةَ على البحرِ والنهرِ والبساتين، مستطلعاً الركبَ في مشهدِ الوداعِ الأخير. أنا في الاثرِ ينادي رفاقَ الشهادة.
وكاظم وهو اسمُه الجهاديُ لمن لا يعلمُ كانَ أباً لإخوتِه ولما يُكملُ عامَه الثلاثين.
مشهدُ الوداعِ وحَّدَ الشاشاتِ اللبنانيةَ لا بل الامة، فلغةُ الجهادِ والاستشهادِ واحدة. في طهرانَ العميدُ محمد على الله دادي عادَ الى مقرِ الحرسِ الثوري الاسلامي بعدَ ان اكملَ مشواراً جهادياً طويلا، عادَ بعدَ ان عانقت روحُه ذروةَ الاماني ومنتهى الغايات، عادَ شهيداً,,, ورفاقُ السلاحِ يستبشرونَ بقربِ زوالِ الكيانِ الصهيوني معَ هذا المزيج المباركِ من الشهادةِ العابرِ للاماكنِ والازمنة.
شهادةٌ نالها الشابُّ الفلسطينيُ حمزة محمد حسن متروك في قلبِ تل ابيب. حمزة شهرَ ما تيسرَ له من سلاحٍ في وجهِ شذاذِ الافاق. بسكينِه أوقعَ أكثرَ من اربعَ عشرةَ اصابةً في صفوفِ مستوطنين، كانَ صراخُهم المذعورُ يملأُ المكانَ ليقولَ اِنَ الزمانَ هناكَ زمانُ جهادٍ ومقاومةٍ ايضا.
ذعرٌ اثارَه مقاومٌ أعزل ، وهستيريا يعيشُها الكيانُ ترقباً لردِ المقاومة، التي التزمت صمتاً مرعباً الى حين قد يسبقُ فيهِ الفعلُ القولَ كما في بعضِ توقعاتِ الصهاينة.