اسمها هذه المرّة، “بردقان”. رمت نفسها من الطابق الرابع في أحد مباني المصيطبة. وكما في كلّ مرّة، ستُذكَر أسباب كثيرة في التحقيق.
سيقال إنّها ربّما تعاني من مشاكل نفسيّة، أو أنّ شجاراً صغيراً وقع بينها وبين مخدوميها، أو أنّ لديها مشاكل عائليةً في بلادها البعيدة التي غادرتها قسراً، بحثاً عن الحياة. لكنّنا، في الواقع، لا نحتاج إلى تحقيقات كي نعرف الحقيقة،كي نعرف أنّنا حاولنا قتل بردقان، تماماً كما قتلنا مَن سبقها إلى الانتحار. قتلناهنّ لأنّنا نتمسّك بنظام عبوديّةٍ نطبّقه على عاملات المنازل، ونطلق عليه زوراً اسم نظام الكفالة. وإلى أن يزول ذاك النظام الذي يستعبد أولئك النساء الآتيات من وراء البحار، لن نتمكّن من غسل أيدينا من دمائهنّ.
وإذا كانت قضية بردقان وأخواتها في ذمّة وزارة العمل، فإنّ وزارة الداخلية أمام جريمة من نوع آخر، جريمة عدم التوقيع على قرابة ثلاثين عقد زواج مدنيّ ينتظر في أدراج الوزارة. وللعلم فقط، فإنّ الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، ورغم النزيف الهائل في سوريا، أصدرت قانوناً خاصاً بالمرأة يساويها بالرجل، وشرّعت الزواج المدني في الحسكة.
إنّها المساواة في زمن الحرب. أمّا في لبنان، فحجّة الأوضاع الأمنية لا تسمح بإجراء انتخابات، ولا بتسجيل عقد زواج خارج قيود الطوائف… نامي قليلاً، يا بردقان، نامي قليلاً.