مفارقةٌ صارخة يعيشُها لبنان هذه الأيام. عنوانُها أنّ دولتَه تُوسِّع رقعةَ سلطتِها الأمنية، فيما الدولةُ نفسُها تُقلِّصُ مساحةَ مؤسساتِها الدستورية… في الأمن، إنجازاتٌ عدة تحقّقت في الأشهر الأخيرة، بدءاً بطرابلس، ثم سجن روميه، بعدَه عين الحلوة، أعقبتها إزالةُ الشعارات، والآن البقاع … سلسلةٌ من السيطرات الأمنية التي لا يمكنُ إنكارُها، رغم الملاحظات والثغرات… لكنْ في المقابل، استمرارٌ في الشغور الرئاسي، إصرارٌ على التمديد النيابي، وأمس هزةٌ في البقيّة الباقية من العمل الحكومي… ما الذي يفسّر هذه المفارقة، أو هذا التناقض بين المَسارين؟ البعض يقول إنّ خلفَ الأمر مؤامرة من أجل إظهار لبنان وكأنه يمشي بالأمن والأمنيين، لكنه لا يمشي بالسياسة والسياسيين… بعضٌ آخَر يقول إنّ السببَ مؤامرةٌ فعلاً، لكنّها من نوعٍ آخر. فإنجازاتُ الأمنِ مسجَلة حتى الآن في رصيد نهاد المشنوق، حتى صار الرجل رئيسَ “حكومةِ ظل”، وهذا وضعٌ لا يحتمله كثيرون، بدءاً بأهل البيت والصف الواحِد. فبدأت العراقيلُ تظهر، وقد تزدادُ في السياسة، كلّما تَرسَّخ العملُ في تلك الوزارة… المُهم أنّ الأهم في مكانٍ آخَر. فالأهم موعدُ الاتفاق النووي، والأهم توقُعُ المشهد اللبناني الجديد في الرياض. والأهم، ترقُبُ الخطوات التالية على خط الرابية بعد عودة جعجع. والأهم انتظارُ ما سيقوله الحريري الإبن غداً، وما سيقوله السيّد بعدَه بيومين… في هذا الوقت تستمر السياسة في إجازةٍ، ويستمر الأمنُ في الإنجاز، ولو بغَلّةِ إثنين طن حشيشة في اليوم، كما كانت حصيلةُ حَملة البقاع اليوم