بالقلم نفسه الذي وقع به على نقل السفارة من العمارة إلى قلب القدس كتب ترامب شهادة وفاة الاتفاقية النووية. فتح سجل التعازي فرفضت أوروبا موت الاتفاقية ولم تقم بواجب العزاء بل فتحت خطا ساخنا مع ولي أمره وأبلغ ماكرون روحاني ضرورة التزام روح الاتفاقية وضرب وزيرا خارجية فرنسا وإيران موعدا للقاء قريب لبحث استمرار العمل بالاتفاقية وضمان الاستقرار الإقليمي. وإذا كان ثمة مجنون حكى وحاكى حرب النجوم على الأرض فإن ثمة عقلاء استمعوا وشكلوا جبهة رفض للقرار الأميركي وأصدروا بيانا مشتركا نددت فيه فرنسا وبريطانيا وألمانيا بقرار ترامب الأحادي الجانب أراد ترامب عزل إيران فعزل نفسه بعدما تصدى العالم لمغامرته لكن في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض من لا يزال يراهن على الحصان الأميركي بدفعه إلى سباق الجنون الخاسر فرحبت إسرائيل ومعها السعودية والإمارات والبحرين بقراره أما الجامعة العربية فطبقت المثل القائل “إجر بالفلاحة وإجر بالبور” واعترضت بخجل طالبة تعديل الاتفاقية. وحدها الرئاسة التركية قاربت المسألة بعقلانية فدعمت الاتفاقية مع إيران مع تأكيد عدم امتلاك أي دولة في المنطقة أي سلاح نووي بما فيها إسرائيل. انسحاب سيد البيت الأبيض من الاتفاقية ليس مجرد انسحاب طرف واحد من ضمن ستة أطراف وقعتها بل إنه لم يقم وزنا لا للراعي المتمثل بالأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن الذي اعتمده وأكسبه صبغة دولية وأبعد من ذلك لم يقم اعتبارا لحلفائه الأوروبيين فولاهم ظهره وأدار الدفة باتجاه البحر الأصفر وعلى ضفته الشمالية أوفد ترامب وزير خارجيته مفاوضا للتوصل الى اتفاقية مع كيم جونغ أون فما معنى أن ينقض الرئيس الأميركي اتفاقا ويسعى لآخر؟ القارئ في سطور الأزمات يستنتج أن لا حرب عسكرية ستنتج عن الخروج من الاتفاق النووي الإيراني بل حرب اقتصادية على الجمهورية الإسلامية بسلاح العقوبات والتجويع والحصار والعزل وفي مقدمة التأثيرات المحتملة للقرار عودة العقوبات السابقة التي رفعت بموجب الاتفاق وفتحت طهران بموجبه أبواب قطاعاتها الاقتصادية للشركات الأوروبية الأميركية. ووفقا للقرار الجديد يمكن أيضا فرض عقوبات جديدة ولعل أخطر هذه العقوبات تلك التي ستطال قطاع الطاقة والطيران. أما خارج الحدود الفارسية فإن نيران العقوبات قد تطاول الحلفاء على الأراضي اللبنانية. الانسحاب من الاتفاق يقرأ من عنوان العقوبات ومعه يتضح أن ترامب قبض ثمن قراره مسبقا من دول الخليج وبسيف العقوبات سيضغط اقتصاديا على إيران وسيدفع بالدول الخليجية إلى زيادة إنتاجها من النفط لدفع فواتير قراراته اللاحقا ومن هذا المنطلق سنصب ترامب نفسه شرطيا اقتصاديا على العالم. ما على ترامب إلا البلاغ وما على الأوروبيين الذين عارضوا الانسحاب إلا تنفيذ العقوبات.