على بعد خطوات من الخامس عشر من أيار وعشية الصمت الانتخابي، رفع الثنائي الشيعي الصوت واستنفرت رؤوسه الحربية المحملة بالمواقف النارية من المصيلح إلى الضاحية الجنوبية, توزع الثنائي الأدوار في إعادة ترسيم الخط المقاوم على الأرض الانتخابية وشحذ أسلحة المعركة المصيرية بالاستعانة بكل أمجاد أيار.
وعليه كان لزاما على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس حركة أمل نبيه بري النزول شخصيا إلى أرض المعركة لمقارعة لوائح الخصوم الذين تجرأوا على خوض غمار الانتخابات, خصوصا في البيئة المصادرة بوكالة حصرية للثنائي عن طائفة كاملة, وهو ما بدا واضحا في سلسلة الانسحابات من لوائح الغير ترغيبا أم ترهيبا، لصالح اللوائح المعلبة بأصوات الأموات منهم والأحياء.
لا ينكر عاقل فضل المقاومة والدماء التي سقطت على مدى أعوام الاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى إنجاز التحرير, لكن أن تتحول تلك الدماء إلى مادة لشحن النفوس ضد أبناء الجلدة الواحدة لوقوفهم على المقلب المعارض.
ففي ذلك فتوى بإراقة كل التاريخ المقاوم على طريق الصناديق والأصوات التفضيلية والحواصل الانتخابية للوهلة الأولى كاد الزيت يرشح من المصيلح حيث وقف رئيس حركة أمل نبيه بري، مستغلا إرث مؤسسها ومطلق أفواجها المقاومة وباني مدماك لغة الحوار والعيش المشترك, ومتكئا على إرث الإمام.
أطلق بري شعارا انتخابيا لم يسبقه إليه أحد إذ قال إن حركة أمل هي حركة الأنبياء والأولياء والصلحاء, وذلك في معرض رده على ما سماه استهدافا للحركة منذ السابع عشر من تشرين مرورا بفاجعة المرفأ وصولا إلى تسعير الخطاب الانتخابي بالتحريض الطائفي والمذهبي والافتراء والكذب. لكن ثمة من يطلق الكذبة ويصدقها فساحات رياض الصلح والشهداء شاهد على الغزوات وعلى بلطجة حرس المجلس.
وفي خطابه قال بري فليكن الحكم والحاكم في قضايا الفساد هو القضاء، وجملته الشهيرة أن الضعيف هو من يلجأ إلى القضاء باتت ماركة مسجلة باسمه، وإمعانا في تحديه للسلطة القضائية وضع على رأس لائحة المرشحين للانتخابات مطلوبين بمذكرات توقيف على خلفية جريمة تفجير مرفأ بيروت.
ومن خطاب التسليم في المصيلح إلى خطاب التسلم في الضاحية الجنوبية حيث أطل الأمين العام لحزب الله للمرة الثانية في أقل من أربع وعشرين ساعة ليحدد مزايا الدولة العادلة ويضع برنامجا انتخابيا بعناوين عريضة ووعود بقوانين منصفة من قانون انتخابي جديد إلى خفض سن الاقتراع إلى حماية أموال المودعين وغيرها من قوانين كانت كتلة الوفاء للمقاومة شاهدا عليها في مجلس النواب وانتهت إلى تأييد قانون يعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها.
وإلى غض النظر عن قانون الكابيتال كونترول الذي نام في أدراج المجلس ثلاثة أعوام وإذا كان حزب الله لا يتحمل وزر مشاركته في الحكومة منذ عام اثنين وتسعين حتى عام ألفين وخمسة, إلا أنه شارك في كل الحكومات المتعاقبة ما بعد ذاك التاريخ، وصدق على مقرراتها ولم يقف لا في الحكومة ولا في مجلس النواب سدا منيعا في وجه القرارات والقوانين التي فصلت على مقاس الأزمة حتى وصلنا إلى الانهيار.
لكن حسابات الانتخابات لا تتطابق وبيادر الأزمات.. والكلام الشعبوي لا يصرف إلا في هذا الاستحقاق وقبيل تشغيل عداد الصمت الانتخابي أفضى الرئيس ميشال عون بمكنوناته إلى الجمهورية، من دون أن تلحظ الأسطر إنجازا يتوجه به إلى شعب لبنان العظيم وأصبحت رئاسة البلد مشكلة بعد أن عطل البلد أكثر من سنتين من أجل كرسي بعبدا.
وبالنسبة إلى عون لم يعد جبران باسيل واردا كمرشح للرئاسة ويجوز له القول إن الصهر كان وراء إخفاقات العهد وعليه فإن البابا فرنسيس بصحة جيدة وزيارته تأجلت للبنان ليبارك بالعهد الجديد.