لوحة الجلاء رفعت معنويا فوق بعبدا, والقصر المهجور ينام الليلة متحررا من ثقل أعوام ستة غادرته الفخامة.. فشعر بالفخامة ومضى إلى الشغور بلا تردد.. كأن رئيسا لم يكن وبمراسم وداعية من سلالة مناصرين ومحبين للرئيس، نظمت عملية خروج آمن سهلت العبور من بعبدا إلى الرابية حيث مرابض الثورة في المرحلة المقبلة و”الرئيس الراحل” إلى مسقط رأسه السياسي، أجرى عملية إخلاء سبيل للقصر الجمهوري جاءت على قدر طموحات تياره الذي زف النهايات كما لو أنها بدايات ومزهوا بجمهور وفي، تقدم ميشال عون بكلمته الأخيرة والتي جاءت على صورة رئيس يتلو خطاب القسم.. ويحلف بالله العظيم أن يسهر على دستور البلاد توجه عون إلى الجماهير.. لكنه كان يخطب محاضرا في نجيب ميقاتي ونبيه بري وسهيل عبود ورياض سلامة، وتقريبا كل الجمهورية المعادية لعهده.. وينتهي إلى مواقف جاءت مضرجة بدماء حكومية والرئيس السابق بعد غد.. رفع أمر حكومة ميقاتي إلى قاضي الشرع النيابي نبيه بري، وطلب إلى مجلس النواب إحضار رئيس تيار العزم مخفورا، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه بتهم تتراوح بين رفض التأليف وتأبيد حالة التصريف ومفاقمة الفراغ فراغا.. والكذب تحت القسم الحكومي، والسطو على رئاسة الجمهورية وفي كتاب عون إلى رئاسة المجلس طلبات من نوع الاعتذار عن التكليف أو نزعه أو تكليف سواه فورا، وإصدار مراسيم التشكيل، ونشهد أنا بلغنا هي رسالة من عون إلى بري.. حيث وصلت إلى “صاحب الأمانة” وسيتدبر أمرها بالطريقة المناسبة وبمطرقة تفرم الرسائل عن بكرة مرسليها تبلغ رئيس المجلس وأخذ علما في يوم عطلة أسبوعية، تليها عطلة جميع القديسين.. وبحسب المتوقع فإنه سيدعو إلى جلسة استماع وتلاوة الرسالة يوم الخميس المقبل وإلى حينه فإن الرئيس ميقاتي واثق التصريف يمشي إلى الجزائر مع الملوك غدا وهو أعد رسالة الدفوع الشكلية، معتبرا مقال عون بمثابة مرسوم بطابع إعلاني، ومستمرون في واجباتنا الدستورية ومن بينها تصريف الأعمال وفي اتصال بالجديد كشف ميقاتي أنه يصطحب معه إلى القمة العربية غدا وزير الطاقة وليد فياض.. وهو في عداد الوزراء الذين كانوا قد اجتمعوا في ميرنا الشالوحي مع جبران باسيل وقرروا مقاطعة جلسات مجلس الوزراء متى عقدت لكن ميقاتي الذي يتأبط فياض التيار، شرح للجديد أن عنوان المرحلة هو عدم التصادم مع أحد.. والمستقبل هو من يرسم لنا خطواتنا فإذا كان هناك من مصلحة لاجتماع وزاري سوف يعقد أما عن الوزراء الخمسة المقاطعين فقال ميقاتي: يستطيعون أن يطلبوا إعفاءهم من مهامهم، فإما نعين مكانهم وإما يتصرف في وزاراتهم الوزراء بالوكالة لكن ميقاتي حلل بأن هؤلاء لن يفعلوا.. حيث لا مقاطعة ولا تعيين بديل, لاسيما أن اجتماعهم برئيس التيار جاء قبل أيام من نهاية العهد.. ولننتظر حتى الثلاثاء.. وبعد غد لناظره الوزاري قريب هذا الإصرار من ميقاتي على الحكم بكامل الصلاحيات يجول فيه بين الجزائر ومصر مشاركا في قمة المناخ.. تاركا في بيروت احتباسا حراريا من نوع التهديد بفوضى دستورية وربما أكثر، كما يتوقعها عون والرئيس الذي غادر في أحد الانتقال إلى الرابية لم يكشف عن مضمون سلاحه الحربي بعد.. لكنه فوض رئيس التيار جبران باسيل استعراض منصات الجبهة، فجال تعلوه ملامح “جبران كيم جونغ أون” المشرف على المرابض المدفعية السياسية أما مراسم وداع عون فقد أخطأت طلقاتها وشعلتها.. فبموجب الدستور وجبت إقامة المراسم لجبران باسيل الرئيس الفعلي الذي حكم بعبدا ست سنوات.. فعاين الحكومات وعطل منها تشكيل اثنتين لسعد الحريري
ونجيب ميقاتي واحتجز مراسيم وتشكيلات.. وصولا إلى احتجاز قرارات الرئيس نفسه.. فعزله عن الإدارة المباشرة وأصبح ميشال عون رئيسا متقاعدا لصالح رئيس أمسك بالجمهورية انتهى عصر ميشال عون, أزيلت حقبة من التاريخ والتي انقلب فيها رئيس جمهورية على عهده.. فحاكم الجميع والمنظومة، لكأنه كان رئيسا لمجموعة “فرسان مالطا” أو يدير منظمات أهلية. الأحد في الثلاثين من تشرين الأول كان يوما أقفلت فيه أبواب جهنم..