Site icon IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الثلثاء في 11/09/2018

تسع سنوات، بأربع مئة جلسة وجلسة، وبثلاثة آلاف ومئة شاهد مع كسورهم، بمئات ملايين الدولارات تمويلا لبنانيا، بخمسة متهمين قائدهم أصبح لدى باريه، بتحقير للإعلام والقضاء اللبناني سقط عند أول دفاع، بكل هذه الأرقام والأوهام أطلقت المحكمة الدولية اليوم أولى جلسات المرافعة المرفوعة على دليل هزيل يستند إلى شبكة الاتصالات.

لكن الدليل الوحيد المستجد على لاهاي، أن المحكمة الدولية من أعلى هرمها الى أسفل قضاتها المستوردين والمحليين، لم تعد تهم أحدا، وأن مبناها الفاره في ليشندام أصبح عالة على بانيه ومؤسسيه وكل من ساهم في وضع حجر سياسي فيه، من “ابن الشهيد” إلى شهود اختفت معالمهم.

ولكن الواجب حتم على رئيس حكومة تصريف الأعمال أن يصرف نصف نهار في لاهاي، فحضر مع طاقم سياسي وإعلامي واستشاري إلى عاصمة العدل الدولية، وظهر في النصف الأول من جلسات المرافعة، قبل أن يدلي بتصريح ودي من أمام المحكمة، ويغادر مطمئنا إلى أن شيئا لن يتغير. لم يتحدث الحريري بصفته ولي الدم الباحث عن انتقام من خلال العدالة الدولية، بل كان رجلا واقعيا، رئيس حكومة يريد أن يحكم، وأن يتشاطر الحكم والأمان مع رفاق الدرب السياسي، قائلا: سأضع مشاعري جانبا وأعمل من أجل مصلحة البلد.

ومشاركة نجل الرئيس رفيق الحريري في جلسات المحكمة الختامية، جاءت رمزية و”فك حداد”، فالرجل يتطلع إلى مستقبل سيتعايش فيه مع “حزب الله” في البلد، وتحت سقف حكومي واحد، على الرغم من رفع المحكمة اليوم سقف تحدياتها وإعلان ادعائها وقائع مستجدة أدخلت الحزب وسوريا على ضفاف الاتهام. ف”حزب الله” كمنظمة دخل اليوم في صلب مرافعة الادعاء الذي تذكر اليوم، وبعد تسع سنوات، أن السيد مصطفى بدر الدين مسؤول فاعل في الحزب الذي كرمه في تشييعه، وأن بدر الدين كان مسؤولا في معارك سوريا.

وتحت سقف المحكمة، كانت تتردد أسماء الرئيس بشار الأسد ووفيق صفا ورستم غزالة، لكأنها أسماء غابت عن البال وجرى استحضارها كشخصيات نافذة وفاعلة على مسرح الرابع عشر من شباط، علما أن القرار الاتهامي لا يذكر الإشارة إلى دول أو منظمات.

وإذا كان رئيس حكومة لبنان قد شارك رمزيا في جلسات اليوم، فإن المدعي العام للمحكمة الدولية نورمان فاريل، حضر بعض الوقت رفعا للعتب، قبل أن يتوارى عن الأنظار، ويختفي تاركا المسرح الدولي للعابثين ممن تولوا رمي دليل الاتصالات على غاربه. لكن القاضي نيكولا ليتييري تولى تسلم الادعاء، وقارعهم على كل اتصال، وأبدى علامات استغراب مع استفهام على كل نقطة، مستندا إلى شهادة شركة “ألفا” التي قالت إنها لم تكن تجري صيانة دقيقة بين عامي 2004 و2005.

محكمة خلت من أدلتها، ودعت شهودها، المدعي العام الخاص بها لم يعرها وقته واهتمامه، ابن الشهيد غادرها في وضح النهار، لم تجد ضالتها إلا فيمن اتهمتهم يوما بتحقيرها، إذ حضرت المتهمة السابقة البريئة بعد سنتين الزميلة كرمى خياط ووفد “الجديد”، لمتابعة المراقبة الميدانية على سير عمل محكمة تصرف الدولة اللبنانية من أجلها تسعة وأربعين مليون دولار سنويا.

وسنة على سنة، يحيا العدل الدولي ويعتاش برفاهية على حساب الناس، فيما قصور عدل لبنان تعوم على شبر ماء، تنقطع عنها الكهرباء. مرافعات اليوم، تصلح لأن تكون مرافعة للعهد القوي الذي عليه أن يتخذ القرار الجريء بإعلان انتفاء الحاجة، وإقفال بوابات لاهاي على حقيقة واحدة، ما دام “القاضي راضي”، وأولياء الأمر لا يريدون الانتقام. تسعة أعوام من الصرف تكفي، فللشهيد الرحمة، ولنجله طول البقاء السياسي.